وصف المفتي لأحوال المسلمين في أرتريا حين وصوله إليها وجهوده الإصلاحية
وصل سماحة المفتي إلى أرتريا في أواخر أيام الإستعمار الإيطالي. ورغم النهضة العمرانية والإقتصادية التي شهدتها أرتريا في أيام الحكم الإيطالي فإن السياسة التعليمية كانت تفرض الجهل على المواطنيين وتمارس تجاههم التفرقة العنصرية. وفي الجانب الإسلامي كانت البدع والخرافات منتشرة بين العوام والجهل بأحكام الدين يسيطر على الكثير. يقول سماحة المفتي في وصف الحالة التي وجد عليها المسلمين:
‘فلما رجعت من مصر إلى وطني في عام 1359هجرية الموافق 1940م، وسكنت مدينة أسمرة بحكم وظيفتي ، وجدت أحوال المسلمين على هيئة يرثى لها لفساد أحوالهم الإجتماعية ، رغم تحسن حالتهم الإقتصادية؛ فلا تعليم ، ولا مدارس ، ولا جمعيات ، ولا رابطة تربطهم ولا نواد تجمعهم ، بل صاروا كلهم جواسيس الشر على بعضهم لصالح أعداءهم في الدين ، يشنون الحروب ويشعلون الخلافات في ما بينهم في توافه الأمور التي تضرهم أجل مضرة ولا تنفعهم مثقال ذرة.
ورأيت كتب العلماء والقضاة تباع في الأسواق أجزاء متفرقة لجهلم التام بأحوالها، فرأيت ‘رد المحتار على الدر المختار’ أشتراه خمسة أشخاص كل واحد منهم اشترى جزءا ، ومثله’ شرح العين على البخاري’ و’مبسوط السرخسي’ وهكذا سائر الكتب ،لا البائعين ولا المشترين يعرفون بأنه كتاب واحد لا يفرق عن بعضه، فتألمت كثيرا من هذا وذاك كله……’
ولقد بذل سماحته جهدا كبيرا لتغيير هذا الحال مستخدما كل الوسائل المتاحة له، متدرجا بالناس سائرا بهم في خطوات ثابتة نحو الأمام، صابرا عليهم مستعملا الحكمة في مخاطبتهم والوصول إلى قلوبهم. يقول سماحته مبينا بعض الخطوات التي اتخذها في هذا الصدد:
‘لذا وضعت خططا لدروسي مراعيا عقول الناس والاحوال الحاضرة ، خشية من فتح باب الشر ، فصرت أواصل دروسي في الآيات والأحاديث المتعلقة بالإنفاق في سبيل الخيرات ، واتحاد الكلمة، والتحذير من التفرق، والحث على التمسك بأهداب الشرع. ثم أفرع عليها التوجه إلى المصالح القومية ، كفتح المدارس العربية، والمعاهد الدينية الأهلية ، والمكاتب العلمية ، والجمعيات الخيرية ، والنوادي الإجتماعية، بالإضافة إلى ذكرما كان عليه أوائل المسلمين ، ولاسيما الأوقاف الإسلامية في عصر الرسول ومابعده، وعمل المسلمين في المشاريع الإسلامية العمومية من فتح المكاتب والمدارس، والمؤسسات التعليمية ، وماكانوا عليه من الاتحاد ، والعطف على بعضهم البعض في مختلف الأزمنة والبلدان ، مع اتصافهم بالشهامة ، والعزة ، والتفاني في الخدمة الإسلامية ، وبعد النظر ، والإخلاص في الله ، ذاكرا لهم ما عليه عمل الجاليات الإسلامية في العصور المتأخرة التي وقعت مثلنا تحت دول الملل الأخرى الغير إسلامية…’
وقد وجدت دعوة سماحته تجاوبا واسعا كان من نتائجها فتح عدد من المدارس الإسلامية ، والمكتبات العامة ، والجمعيات وغيرها. يقول سماحته في ذكر بوادر التجاوب من الناس وخاصة الأثرياء:
‘فما زلت أواصل دروسي على نحو ما ذكر رجاء أن أجد منهم أذانا صاغية، والذي شجعني على ذلك وجود ثروة كبيرة في أيادي المسلمين في تلك الأيام، فإنهم قد استفادوا إستفادة عظيمة في الإقتصاديات في أيام فتح الإيطاليين للحبشة…..
وقد حقق الله أملي ورجائي حيث قام بعض أغنياء المسلمين بتلبية ذلك. فقد جاءني أولا صالح باشا أحمد محمد كيكيا الذي كان في تلك الأيام كبير تجار أرتريا والحبشة وقال لي تلبية لندائكم إني أريد أن أعمل وقفا خيريا، وهو إنشاء مدرسة كبيرة للمسلمين فأريد منكم الإرشاد في ذلك ، فقلت له أين تريد عملها، فقال لي في مدينة حرقيقوا، فقلت له الأحسن عندي إما أن تعملها في مصوع وإما في أسمرة لأن الإستفادة فيهما أكثر إذ هما من أجل مدن القطر، ووجود مدرسة عظيمة في إحداهما يكون فخرا للمسلمين ، بخلاف حرقيقوا فإنها قرية صغيرة لا تتوفر فيها ما ذكرت لك. فقال لي إني أحب أن يكون وقفي في البلدة التي ولدت فيها، وهي حرقيقوا، وبعد ذلك تركته على خياره وشكرته………. ‘
وقد فتحت بعد ذلك عدة مدارس في العاصمة أسمرة ، وفتحت مدارس أخرى في مصوع ، وكرن ، وعدي وقري وغيرها. وظهرت أيضا مؤسسات أخرى تختص بالشؤون الإجتماعية والدعوية. وأقبل الأثرياء على وقف أموالهم وممتلكاتهم لخدمة هذه المؤسسات وتوفير ماتحتاج إليه من إمكانيات.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!