المفتي وكلمة حب وعرفان للأزهر

قضى سماحة المفتي ما يقارب الخمسة عشرة عاما في ساحة الأزهر طالبا ، وباحثا ، ومعلما. وكانت هذه السنوات من أغلى سنوات عمره ، حيث وجد في ساحة الأزهر مبتغاه العلمي من كتب نفيسة ، ومجالس علم عامرة ، وعلماء جمعوا شتى فنون العلم والمعرفة. وكان حب وشوق سماحته للأزهر قد سبق وصوله إليها ، ورغم صعوبة الوضع المعيشي في داخل رواق الجبرتة بالأزهر وما صاحبها من متاعب صحية ، إلا إن الأيام لم تزد سماحته إلا حبا ، وعرفانا ، وتقديرا للأزهر. وقد عبر سماحته عن هذا الحب والتقدير في أكثر من موضع في كتاباته. يقول سماحة المفتي في وصف دور الأزهر ومكانته:

“وما زال الأزهر منذ ذلك التاريخ إلى هذا اليوم صرحا للاسلام والمسلمين ، ودارا للباحثين والمحققين ، ومثوى لعلم الحلال والحرام في العالمين ، ومهبطا لجميع طوائف المسلمين ، رغم ما تكررت عليه من الحوادث الجسام ، والنوازل العظام. ولقد فتحت في الإسلام من المدارس ما لا تحصيها الأقلام ، وكلها قد أصبحت في ذمة التاريخ إلا الأزهر ، فإنه بقي خالدا يرسل شعاعه اللماع إلى الأفاق ، حتى صارت له رتبة تعلو إلى مصاف الأماكن المقدسة ، فتدافع إليه أبناء الإسلام بالمناكب لينهلوا من حياضه ، ويعبوا من ينبوعه ، فتروي به كل صادر من حاضر وباد ، وصار مهد الفنون والعلوم ، ومهبط الحكمة للمنطوق والمفهوم ، فتخرجت منه جحافل الجيوش العلمية ، ونشرت ألوية العرفان ، وعناصر العزة الإسلامية إلى ربوع الشرق خاصة وإلى العالم الإسلامي عامة…”

“ويأوي إليه الطلبة المسلمون من مختلف قارات العالم ودوله ؛ فمن كل الأفاق تشد إليه الرحال ، وفيه تحقق الأمال ، وله في كل مجال اليد الطولى ، وقصب السبق ، والقدح المعلى ؛ فعلى يد أبنائه وخريجيه إيقاظ الهمم الخامدة ، ورواج الحياة العلمية والعملية ، والنهضة الأدبية ، والإجتماعية ، والسياسية. فهو العدو اللدود للإستعمار ، والمحارب له في السر والجهر ، وله في كل ركن من أركان المعمورة أبناءا خبراء بدسائسه ، وعباقرة يسعون لإحباط مساعيه. ولذا أسس الإستعمار لمحاربته طابوره الخامس من أبناء البلاد الإسلامية من أذنابه ، ومن لابسي مسوح الإصلاح ، ولاحسي أياديه ، ليعاونوه في القضاء والإجهاز عليه ؛ ولكن مع ذلك إندكت لهيبته معاقل الباغين ، وانطفأت بسيوله نار الحاسدين …… فوجوده الحسي في القاهرة المعزية ، ووجوده المعنوي في كافة البقاع الإسلامية ، فمصر تعرف به لدى كافة المسلمين ، ونالت بنفحاته زعامة العربية والدين…”

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرين + 4 =