موقف المفتي من الإحتفال بالمولد النبوي والمناسبات الإسلامية
جرت العادة في أرتريا –كغيرها من البلدان الإسلامية- بالإحتفال بالمناسبات الإسلامية وبالأخص المولد النبوي ، حيث كانت تقام فيه التجمعات ، وتتلى فيه القصائد الدينية ، والمدائح النبوية ، وتبسط فيه الموائد. وكان سماحة المفتي على رأي من يرى من العلماء بمشروعية إحياء المناسبات الإسلامية في حدود الضوابط الشرعية. وقد نحى سماحته بهذه المناسبات منحى مختلفا عما درج عليه الناس ، وجعلها مناسبات دعوية وتعليمية ، حيث كانت تقام في هذه المناسبات التجمعات في المساجد ، ويقوم العلماء بالحديث عن هذه المناسبات ، والعبر والمعاني المستفادة منها. وكان سماحته ينشر المقالات عن هذه المناسبات في الصحف المحلية. وكان لهذه المناسبات أهمية خاصة بالنسبة للواقع الأرتري ، حيث كانت وسيلة من الوسائل القليلة المتوفرة للوصول إلى قطاع كبير من الناس وتوعيتهم بمسائل دينهم دون إثارة شكوك السلطة ، وخاصة في العهد الإمبراطوري. ومن أكبر الإحتفالات الإسلامية –غير العيدين- كانت مناسبة المولد النبوي. وكان الإحتفال بها يقام في ميدان جامع الخلفاء الراشدين ويحضره كبار المسؤولين ، حيث يقوم طلبة المعاهد بإنشاد الأناشيد ، ويستمع الحضور إلى كلمة عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي العصر الإمبراطوري تم التضييق على هذا الإحتفال فأصبح يقام داخل المسجد ، ويتم الإكتفاء فيه بدروس العلماء وحديثهم عن السيرة النبوية وتوزيع الحلويات.
وفيما يلي مقتطفات من مقال سماحة المفتي في جريدة الوحدة الصادرة يوم الأربعاء 4 ربيع الأول 1386هـ الموافق 22 يونيو 1966م ، وفيها يفصل سماحته الحديث عن مشروعية الإحتفال بالمولد النبوي. يقول سماحة المفتي:
“والإحتفال بيوم ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن عمله مشهورا في بادئ الأمر فإنه ورد في الشرع ما يدل عليه في الجملة:
تجديد الشكر على النعم :
منها : أن الله تعالى أمر نبيه إبراهيم الخليل بذبح إبنه إسماعيل ثم نجاه منه وفداه بذبح عظيم ، وبذكرى ذلك اليوم تحتفل الأمم الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها عموما سنويا في يوم النحر ، ويتقربون إلى الله نعالى بالذبح والصدقات وغيرهما ، فهذا صريح في أن تجديد إظهار الشكر على النعمة السابقة في الوقت الموافق لوقت حدوثها أمر مرغوب.
مزية يوم الولادة :
ومنها : قوله تعالى حكاية عن خطاب موجه إلى يحي عليه السلام “وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا”. ومنها قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم: “والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا”. فهاتان الآيتان دلتا على أن يوم الولادة له مزية على غيره.
صيام عاشوراء لذكرى نجاة موسى:
ومنها: ما جاء في الصحيحين من أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء فسألهم عليه السلام عن حكمة ذلك فقالوا هذا يوم أغرق فيه فرعون ونجي موسى فصامه موسى فنحن نصومه فقال صلى الله عليه وسلم : أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه ، أي شكرا لله. فأفاد هذا الحديث بأن يوم السرور يستحق تجديد الذكرى له في كل وقت يأتي نظيره على الدوام والإستمرار ، وإلى هذا أشارت منظومة مصباح الرواد في سياسة الوعظ بما يأتي:
الإحتفال بمولد الرســــول عندي من الأنفع أيضا والمقبـــول
صار البدء في القرن الرابـع وبهائه نمى في سائر المواقــــع
اتفق الجل على استحسانــه ودا للحبيب ورفعا لشأنــــــه
ذكر القرآن إشارة عاليـــا في عيسى بن مريم ونجل زكريــا
بعمومها على المزية تــدل بأن يوم الولادة حقا يجــــــل
فيه قد روى الحافظ بن حجر حديثا جاء في صحيح الأثــــر
فالفاكهاني إختص بالشـذوذ فقال لا وجه له في الشرع ولا نفوذ
وفاق الجل صفة ساميــة فالذئب يأخذ من الغنم القاصيـــة
عقيقة النبي عن نفسه إظهارا للشكر:
ومنها : ما رواه البيهقي عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه. وقد ثبت في صحيح الخبر أن جده عبد المطلب عق عنه صلى الله عليه وسلم يوم سابع ولادته بكبش ، والعقيقة لاتعاد مرة ثانية ، فكان ذلك منه صلى الله عليه وسلم إظهارا للشكر على نعمة وجوده صلى الله عليه وسلم ، رحمة للعالمين وتشريعا لأمته.
غبطة الأنبياء :
ومنها : أن الإحتفال بذكرى العظماء ثناء عليهم وعلى أعمالهم على الدوام والإستمرار ، ولسان صدق لهم لدى الأخرين ، وهو ما تمناه أنبياء الله الكرام واتحفهم الله بها فقال جل شأنه حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه السلام “واجعل لي لسان صدق في الأخرين ” فاستجاب الله سبحانه دعائه فقال جل شأنه “وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم”. وبذلك صرنا نذكره مع نبينا عشرات المرات يوميا. وقال في حق نوح “وجعلنا ذريته هم الباقين وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين” وقال في حق موسى وهارون عليهما السلام “وهديناهما الصراط المستقيم وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين”
مؤلفات العلماء في تحبيذ المولد النبوي :
فإقامة الإحتفالات بيوم ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم هو لسان صدق من أمته ومن جزاء الله عليه على إحسانه ، حيث وفق أمته للقيام بذكر مآثره العظيمة ، ولهذا قد ألف فطاحل العلماء كتبا عديدة للحث على الإحتفال بيوم المولد النبوي ، كالعلامة المحدث الأندلسي أبو الخطاب بن دحية المتوفي عام 714هـ…… حيث صنف…كتابا في ذلك سماه التنوير في مولد السراج المنير… ومثله قد ألف جماعة كثيرون كالعلامة ابن حجر ، والمحقق الحلواني ، ومحمد خليل الهجرسي وغيرهم ممن يطول حصرهم
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!