مقالات: حديث رمضان في أحكام الصيام
كان من عادة سماحة المفتي كتابة المقالات في الصحف المحلية في المناسبات الإسلامية مبينا فيها الأحكام والآداب الشرعية. وفي كتاباته وفتاواه الفقهية كان يحرص على ذكر أقوال المذاهب بالتفصيل، وذلك لشيوع الإلتزام المذهبي عند المسلمين في أرتريا. وهذا مقال فيه تفصيل للأحكام الفقهية المتعلقة بالصيام.
جريدة الوحدة
الجمعة 13 رمضان 1384هجرية الموافق 15 يناير 1965م.
بقلم سماحة مفتي أرتريا الشيخ إبراهيم المختار
الحبل الحقيقي للمؤمنين
قال الله تعالى: “ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”.
في هذه الآية الكريمة نداء من الله تعالى إلى عباده المؤمنين بالتوجه إلى هذه الشعيرة الإسلامية، التي هى زكاة للبدن من الأثام، ومعضلات الأسقام؛ والتعبير في النداء بالإيمان دون غيره إشعار بأنه هو الحبل الحقيقي الذي يربط جميع الشعوب الإسلامية على اختلاف أجناسهم وألوانهم، ولذا حصرت فيه الأخوة دون غيره حيث قال تعالى: “إنما المؤمنون إخوة”.
تعريف الصيام والنية
والصيام شرع في السنة الثانية من الهجرة، وهو شرعا: الإمساك عن شهوتي البطن والفرج بنية من أهله من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس؛ والنية: توجه القلب نحو الفعل إبتغاء وجه الله تعالى وامتثال أوامره .
واختلف الفقهاء في وقت نية صحة صوم رمضان على أربعة أقوال:
القول الأول: وقتها من قبل طلوع الفجر، والواجب إيقاعها في أي جزء من أجزاءه، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وآخرون، وهو متفق عليه من جهة الأفضلية. واحتج له بحديث أم المؤمنين حفصة بنت أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من لم يبيت النية قبل الفجر فلا صيام له” رواه الشيخان. وعورض هذا الحديث بأنه لنفي الكمال لا لنفي الجواز، لأن مثل هذا التركيب يذكر لنفي الجواز كما في حديث “لا صلاة إلا بالطهور” ويذكر لنفي الأفضلية كما في حديث “لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد”.
والقول الثاني: وقتها يمتد من غروب الشمس إلى ما قبل نصف النهار، وإليه ذهب أبو حنيفة، واحتج له بحديث الشيخين عن سلمة ابن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا من أسلم أن أذن في الناس “أن من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء”. ووجه الإستدلال به أن صوم عاشوراء كان فرضا قبل فرضية رمضان، فصح صومه بنية النهار والحال أنه فرض فكذلك صوم رمضان، قال الطحاوي “في هذا الحديث دليل على أن من تعين عليه صوم يوم ولم ينوه ليلا أنه يجزيه قبل الزوال”.
والقول الثالث: يكفي الصائم أن ينوي صوم رمضان أول ليلة بعد الغروب، لأنه في غير المسافر والمريض مما يجب تتابعه، وكلما يجب تتابعه تكفيه نية واحدة في أول ليلة منه كصوم رمضان، وكفارة القتل والظهار، وهو المشهور عن مذهب الإمام مالك، كما أشار إليه خليل قال: “وكفت نية لما يجب تتابعه”. واحتج له بوجهين، أولا: بحديث “وإنما لكل إمرئ ما نوى”، وهذا قد نوى جميع الشهر فوجب أن يكون له. ثانيا: أن الصيام عبادة تجب قي العام مرة، فجاز أن تشملها نية كالزكاة، قاله الباجلي في شرح الموطأ.
القول الرابع: من تعين عليه رمضان لم يفتقر إلى نية، وهو مروي عن الزهري، وعطاء، وزفر ابن هذيل تلميذ أبي حنيفة، كما نقله الشوكاني في نيل الأوطار، والقسطلاني في مدارك المرام.
حكم ما وصل الى الجوف من المنافذ المعتادة وغيرها
والصوم في الشرع هو إمساك عن شهوتي البطن والفرج بنية من أهله في وقته، واتفق العلماء على أن وصول الشئ إلى جوف الصائم من المنافذ المعتادة وما في حكمها أفطره وأفسد صومه. واختلفوا فيما وصل ذلك من غيرها، كالحقن الجلدية المستحدثة أخيرا في الطب الحديث، والذي يفهم مما نقل عن أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، أنها تفطر؛ والحنفية يرجحون قول أبي حنيفة في العبادات كما أشار إليه العلامة إبن عابدين في منظومته عقود رسم المفتي حيث قال:
في كل أبواب العبادات رجح قول الإمام مطلقا ما لم تصح
عنه رواية بها الغير أخــذ مثل تميم لمن تمر نبــــذ
وعند أبي يوسف، ومحمد، أن المفسد للصوم ما يصل إلى الجوف أو الدماغ من مسلك خلفي، أما ما يصل من جراحة فلا يفسد. قال النووي في مجموعه “لو داوى جرحه فوصل الدواء إلى دماغه أفطر عندنا سواء كان رطبا أو يابسا، وحكاه إبن المنذر عن أبي حنيفة، والمشهور عن أبي حنيفة أنه يفطر إن كان الدواء رطبا وإن كان يابسا فلا، وقال مالك، وأبو يوسف، ومحمد، وأبو ثور، وداود، لا يفطر مطلقا ولو طعن نفسه بالسكين أو غيرها فوصلت جوفه، أو طعنه غيره بأمره أفطر عندنا، وقال ابو يوسف ومحمد لا يفطر”.
وعلى قول هؤلاء فالحقن الجلدية لا تفطر الصائم لأنها ليست من مسلك خلفي، وفي ذلك مندوحة للمضطرين إليها كالمسافرين الذين تتوقف رخص سفرهم على الحقن الصحية في أيام صيام رمضان، وأما غيرهم، كالمرضى، فالإحتياط ترك الحقن التي توصل الدواء والغذاء إلى الجوف والدماغ، خروجا من خلاف القائلين بالفساد لأن لهم مندوحة الإفطار في رخصة المرض والسفر ونحوهما كما سيأتي تفصيله قريبا.
حكم القيء في الصيام
وأتفق الفقهاء على أن القئ إذا غلب على الصائم لا يفسد صومه، وإن تعمد إخراجه يفسده كما أخرجه إبن حبان، والحاكم وغيرهم، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من ذرعه القئ فليس عليه قضاء ومن إستقاء عمدا فليفطر”.
الحجامة لا تفطر الصائم
واختلفوا في الحجامة هل يفطر بها الصائم أم لا، فذهب أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، والثوري على أنه يجوز للصائم أن يحتجم ولا يفطره ذلك، لحديث البخاري عن عبدالله ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، ولأنه دم خارج من البدن فأشبه الفصد. وأجابوا عن حديث “أفطر الحاجم والمحجوم” بأنه محمول على إنتفاء الثواب، وذهب الحنابلة إلى الإفطار بها، لحديث رافع ابن خديج قال، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم “أفطر الحاجم والمحجوم”، وبه قال إسحاق، وابن المنذر، ومحمد ابن إسحاق إبن خزيمة، وآخرون، كما فى المغني لابن قدامة.
حكم الاكتحال في رمضان
واختلف الفقهاء في الكحل هل يفطر الصائم أم لا، فعند الحنفية، والشافعية جائز ولا يفطر الصائم، لأن العين ليست بجوف، ولا منفذ إلى الحلق، لما أخرجه ابن ماجة في سننه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم إكتحل في رمضان وهو صائم، ولما أخرجه البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتحل في رمضان وهو صائم، ولما أخرجه ابن أبي عاصم من حديث ابن عمر: خرج علينا رسول الله عليه وسلم وعيناه مملوئتان من الإثمد وذلك في رمضان وهو صائم . وقال مالك، وأحمد يكره الإكتحال للصائم، وإن وصل إلى حلقه أفطر. وعن أبن أبي ليلة وآخرون قالوا يفسد به الصوم، واحتجوا بحديث رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم “أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال ليتقه الصائم”، ورد هذا الحديث بأنه ضعيف.
المذاهب في سبق ماء المضمضة
وإن تمضمض أو استنشق في الطهارة فسبق الماء إلى حلقه من غير قصد ولا إسراف، فعند الحنفية، والمالكية يفطر لأنه أوصل الماء إلى جوفه ذاكرا لصومه فأفطر كما لو تعمد شربه، وعند الحنابلة، وأحد قولي الشافعي، والأوزاعي لا يفطره لأنه أشبه كما لو طارت ذبابة إلى حلقه.
المكلفون بالصيام على قسمين:
آية الصيام قد قسمت المطلوب منهم الصيام على قسمين:
– قسم صحيح مقيم خالي عن الموانع الشرعية، فهذا القسم يجب عليه الصيام فورا.
– وقسم معذور بمرض، أو سفر، أو كبر، أو حمل، أو رضاع، أو حيض، أو نفاس، فهذا القسم لا يجب عليه الصيام فورا، بل على التراخي بما يناسب حال كل طائفة منهم ومقدرتها على الصيام أو الفدية.
المرض تعريفه وحكمه
أما المرض فهو ما يخرج البدن عن حيز الاعتدال الخاص به ويوجب الخلل في أفعاله، والمراد منه ما يتعسر الصوم معه عند جمهور الفقهاء كما يدل على ذلك قوله تعالى: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”.
والفطر بسبب المرض يقينا أو ظنا له ثلاثة أحوال:
أولا: يجب الفطر ويحرم عليه الصوم إتفاقا إذا غلب على ظن المريض الهلاك بسبب الصوم، أو الضرر الشديد كتعطيل حاسة من حواسه لأن الله تعالى قال: “وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”.
ثانيا: يجوز الفطر إتفاقا إذا مرض الصائم، أو خاف زيادة المرض، أو تأخر برإه، أوحصول مشقة شديدة له، وعند الحنابلة يسن الفطر ويكره الصوم.
ثالثا: إذا كان الإنسان صحيح البدن وغلب على ظنه إنه إذا صام يحصل له بسبب الصوم مرض شديد، وهو ممن يعتبر ظنه لصلاحه وتقواه، ففي حكم ذلك تفصيل في المذاهب:
فعند الحنفية إذا غلب على ظنه حصول المرض له بالصيام فإنه يباح له الفطر، كما لو كان مريضا بالفعل؛ وعند المالكية إذا ظن بالصوم هلاكا، أو أذى شديدا وجب عليه الفطر كالمريض بالفعل؛ وعند الشافعية لا يجوز له الفطر ما لم يشرع في الصوم ويتحقق الضرر.
تعريف السفر وأقسامه
وأما السفر شرعا: فهو الخروج عن عمران البلد مع قصد سير مسافة مخصوصة، وهو على أقسام: سفر طاعة كالحج والجهاد، وسفر معصية كقطع الطريق. الأولان سببان للرخصة إتفاقا، وأما الأخير فمختلف فيه. فعند الحنفية، والأوزاعي، والثوري، وداود والمزني، وبعض المالكية هو سبب للرخصة لإطلاق الآية؛ وعند مالك، والشافعي، وأحمد لا يكون سببا للرخصة .
الشروط المبيحة للفطر في السفر
والفطر يباح للمسافر بشروط :
الأول: أن تكون المسافة التي يريد قطعها 16 فرسخا، وقدروها ب 102 كيلو مترا على أكثر التقادير.
والثاني: أن يكون قاصدا السفر مستقلا بالرأي، فلا تعتبر نية التابع بدون نية المتبوع، كالزوجة مع زوجها، والجندي مع أميره، والخادم مع سيده.
والثالث: أن يتجاوز عن الأماكن التي تعد من مصالح البلد قبل الفجر.
ما يحل فيه الفطر للمسافر بالإتفاق
والمسافر لا يخلو من ثلاث أمور:
الأول: أن يدخل عليه الصيام وهو في السفر.
الثاني: أن يسافر في أثناء الشهر.
ففي هاتين الصورتين يجوز له الفطر بالإتفاق في المذاهب الأربعة.
والثالث: أن يسافر في أثناء يوم رمضان.
ففي هذه الصورة لا يحل له الفطر عند الثلاثة، ورواية عن الإمام أحمد، وفي أخرى عنه يباح الفطر، وهو قول الشعبي، وداود، وابن المنذر.
وإذا أفطر من سافر نهارا فيحرم ذلك كما تقدم، وعليه القضاء دون الكفارة عند الأئمة الثلاثة، وعند الشافعية إذا أفطر الصائم الذي أنشأ السفر بعد طلوع الفجر بما يوجب القضاء والكفارة، وجبا عليه، والموجب للكفارة عندهم الجماع فقط . وإذا أفطر بما يوجب القضاء فقط، كالأكل، والشرب وجب عليه القضاء، وحرم عليه الفطر على كل حال.
الفدية بدل الصيام للعاجزين
وأما الشيوخ الهرمين، والعجائز الطاعنات في السن، والمرضى المزمنين، فهؤلاء عليهم الفدية بدل الصوم إن أفطروا، والفدية هى صاع من بر أو شعير أو تمر أو زبيب على كل يوم أفطر فيه من الصيام.
وأما الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على ولديهما إن صامتا، يجوز لهما الفطر واختلفوا فيما يجب عليهما من القضاء والفدية على أربع مذاهب:
الأول: يفطران ويطعمان ولا قضاء عليهما، وهو مروي عن أبن عمر، وابن عباس عن سعيد إبن جبير.
الثاني: يفطران ويقضيان ولا فدية عليهما، وهو مروي عن أبي حنيفة وأخرين.
الثالث: يفطران ويقضيان ويفديان، وهو مروي عن الشافعي وأحمد
والرابع: الحامل تفطر وتقضي ولا فدية عليها، والمرضعة تفطر وتقضي وتفدي، وهومروي عن الإمام مالك.
الحائض والنفساء
وأما الحائض والنفساء فيحرم عليهما الصيام في حال النفاس والحيض، ويجب عليهما القضاء بعد الطهر لحديث مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: في الحيض كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة. وقيس على الحائض والنفساء لأنهما في معناها، وإذا طهرتا في أثناء النهار أمسكتا إحتراما للصوم.
الفطر بالجوع والعطش
وإذا اشتد على الصائم الجوع والعطش فخاف الهلاك وغلب ذلك على ظنه، لزمه الفطر وإن كان صحيحا مقيما لقوله تعالى: “ولا تقتلوا أنفسكم إنه كان بكم رحيم” وقوله تعالى: “ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة”، ويلزمه القضاء كالمريض.
الفطر بالنسيان
إذا أكل أو شرب الصائم ناسيا في نهار رمضان لا أثم عليه بالإتفاق، لما أخرجه أصحاب الكتب الستة وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه”.
واختلفوا في وجوب القضاء أو عدمه، فعند المالكية أن من أكل أو شرب ناسيا في نهار رمضان فعليه قضاء، لأن الإمساك عن المفطرات ركن الصيام، فحكمه حكم من نسى ركنا من أركان الصلاة تجب الإعادة عليه وإن كان ناسيا، وحملوا قوله صلى الله عليه وسلم “فليتم صومه” على الإمساك عن المفطرات بعد التذكر .
وعند الأئمة الثلاثة يتم صومه ولا قضاء عليه للحديث المتقدم آنفا ونحوه، ورد القياس على الصلاة الذي استدل به القائلون بالقضاء، بأنه قياس فاسد الإعتبار لكونه في مقابل النص.
المذاهب فيمن أفطر ناسيا بالجماع
وحكم الجماع نسيانا لم يذكر صريحا في النص، ولكن ورد حديث يشمله وهو ما أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: “من أفطر في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة”. وهذا عام في الأكل والشراب والجماع، واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب :
الأول: مذهب الحنفية والشافعية، أن حكمه حكم الأكل والشرب فلا يفسد الصوم بالجماع ناسيا.
الثاني: مذهب المالكية، أن عليه القضاء دون الكفارة كما في الأكل والشرب، وبعضهم أوجب عليه الكفارة.
الثالث: مذهب الحنابلة، من جامع ناسيا عليه القضاء والكفارة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المجامع في نهار رمضان بالكفارة، ولم يطلب منه بيان حاله وقت الجماع، ولو افترق الحال لسأل واستفصل، وقيل أن الإمام أحمد توقف في ذلك كما هى عادته فلم يرد فيه النص .
الفطر بالجماع يوجب الكفارة بالإتفاق:
لا تجب الكفارة بالفطر في غير الصيام أداء رمضان في قول أهل العلم وجمهور الفقهاء، وقال قتادة تجب الكفارة على من وطئ في قضاء رمضان، لأنه عبادة تجب الكفارة في أدائها فوجبت في قضائها. واتفقت المذاهب الأربعة على وجوب الكفارة على رجل جامع في نهار رمضان لما رواه الجماعة عن أبي هريرة في قصة سلمة ابن صخر البياضي، ولما أخرجه الإمام أحمد ومالك وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أفطر في رمضان أن يعتق رقبة، أو يصوم شهرين، أو يطعم ستين مسكينا.
ومع اتفاقهم وجوب الكفارة في من أفطر بالجماع عمدا، اختلفوا في ثلاثة مواضع:
الأول: هل تجب الكفارة على المرأة المطاوعة للرجل كما تجب عليه أم لا؟
ثانيا: هل تجب الكفارة على من شرب أو أكل عمدا في نهار رمضان قياسا على الجماع أم لا؟
ثالثا: هل الكفارة واجبة على التخيير أم على الترتيب؟
المذاهب في كفارة المرأة المطاوعة
أما المرأة المطاوعة للرجل بالفطر بالجماع فذهب الحنفية والمالكية بوجوب الكفارة عليها كما تجب عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين حكم كفارة الرجل، وبيانه في حقها أيضا لما علم من تعميم الأحكام إلا ما ورد النص بتخصيصها لأحد الطرفين، وإن لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم حكمها مع الزوج لاحتمال أن تكون مريضة أو مسافرة أو مكرهة أو ناسية أو أنها لم تعترف واعتراف الزوج لم يوجب عليها الحكم. وعند الشافعية ورواية عن الإمام أحمد لا كفارة عليها، لأن قول الرجل في الحديث أصبت أهلي سؤال عن حكمه وحكمها إذ الإصابة معناها أنه واقعها، وإذا كان هذا قد حصل منها ثم أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن المسألة، فأوجب فيها كفارة واحدة على الرجل دون تعرض لها، دل على أنه لا شئ عليها ….
المذاهب في كفارة من أفطر بالأكل والشرب
وأما الأكل والشرب فلم يرد نص في وجوب الكفارة لمرتكبها، ولذلك اختلف العلماء في ذلك فذهبت الحنفية والمالكية على وجوب الكفارة لمرتكبها، لأن العلة الموجبة للكفارة هي الجناية على الصوم وتقوية ركنه الأهم وذلك متحقق فيهما، وعند الشافعية والحنابلة، لا كفارة فيهما لأن النص ورد في الجماع فقط، وهو العلة وحده دون الإفطار المطلق .
المذاهب في ترتيب الكفارة أو تخييرها
وأما الكفارة فقد اختلفوا فيها أيضا، فعند الأئمة الثلاثة تجب على الترتيب: العتق، ثم إطعام ستين مسكينا، لحديث مسلمة ابن صخر البياضي المشار إليها. وعند المالكية، على التخيير حيث جاءت الرواية بالعطف بأن المفيدة للتخيير، وأجاب الفريق الأول عن ذلك فقالوا: أنه للتقسيم لا للتخيير بين الثلاثة، أي بأن يعتق أو يصوم إن عجز عن العتق، أو يطعم إن عجز عنها.
نعمة الحياة في رمضان
فهذه نبذة وجيزة من أحكام الصيام التى نكررها في مثل هذه المناسبات لتكرر الحاجة إليها لتكون عونا للمسلم العامل في تأدية واجبه الديني السنوي ………
فلنقم بشكر الله تعالى على نعمة الحياة في رمضان، والشكر يكون من نواحي شتى، تارة باللسان، كالتلاوة، والذكر، والنصح؛ وتارة يكون بالعمل، كالصدقات، وعلى الأخص في هذا الشهر المبارك فإن الحسنات تتضاعف فيه، فاجتهدوا لنيل الحسنات وأخرجوا صدقات أموالكم، وواسوا بها المحتاجين، وعلى الأخص منه خدمة الدين الإسلامي كالوعاظ، وطلبة العلم، وقراء القرآن، وخدمة المساجد، فالإحسان إليهم أكثر ثوابا وأعم فائدة لما يقدمونه من خدمات لعامة المسلمين، وتجنبوا البخل، ولاتسجيبوا لنداء الشيطان فإنه يعد الناس بالفقر إن أنفقتم، ولكن الله سبحانه تعالى يعدكم بالخلف قال الله تعالى: “وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين”.
الابتهال إلى الله لإصلاح الأحوال
وقد جاء في الأحاديث النبوية أن شهر رمضان مما تستجاب فيه الدعوات، لذا أوصيكم جميعا بأن ترفعوا أكف الضراعة إلى الله تعالى في مساجدكم خلف الصلوات الخمس، أن يحول حالنا إلى أحسن الأحوال، وأن يبعد عنا كل سوء ومكروه، وأن يهئ لهذا الوطن كل سبيل يؤدي إلى عزته وسعادته وأمنه ورخائه، وأن يوفق المسؤولين وولاة الأمور إلى طرق الوسائل التي تثبت دعائم ذلك، وأن يوفق بين قلوب أبناء الشعب، ويوحد كلمتهم لخدمته ولخدمة لصالح العام، والله تعالى حثنا على الإبتهال إليه وقال: “أدعوني أستجب لكم”.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!