مذاهب العلماء في حكم دخول الكفار المساجد

(فتوى رقم 5)

السؤال: ما حكم دخول الكفار إلى المساجد؟

الجواب: اختلف جمهور العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب، والأصل فيه قوله تعالى: “إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا”[1]. ومنشأ الخلاف هو علة المنع، هل هي نجاسة الشرك الحكمية وحرمة المسجد أم شئ آخر. فمن ذهب الى الأول منعه مطلقا كالمالكية، ومن ذهب إلى الثاني أجازه إما مطلقا كالحنفية أوفصله كالشافعية، وهذا تفصيل مذاهبهم:

الأول: مذهب الحنفية وهو أنه يجوز دخول أهل الكتاب مطلقا سواء في المسجد الحرام أو في غيره. قال القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن: “قال أبو حنيفة وأصحابه: لا يمنع اليهود والنصارى من دخول المسجد الحرام ولا غيره، ولا يمنع دخول المسجد الحرام إلا المشركون وأهل الأوثان.”[2] واحتج له بوجهين: الأول قوله تعالى: “مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ”[3]، فقيد دخولهم بالخشية دون المنع مطلقا. ثانيا: ثبوت دخول الكفار في المسجد في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهم قبة في المسجد فقالوا: يارسول الله قوم من أنجاس، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على الأرض من أنجاس الناس شيء إنما أنجاس الناس على أنفسهم، ولحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل الكعبة فهو آمن”، ولأنه ربط ثمامة ابن أثال في المسجد وهو مشرك. والنهى في الآية محمول على دخول المشرك بقصد الحج والعمرة كما يدل عليه حديث البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.” وكان هذا في السنة التاسعة من الهجرة، أوهو محمول على منع تولية المشركين في المسجد الحرام والقيام بمصالحه.

الثاني: مذهب المالكية وهو عدم جواز دخولهم مطلقا للآية المذكورة لأن الله تعالى منع المشركين من دخول المسجد الحرام نصا وسائر المساجد تعليلا بالنجاسة، إذ المساجد يجب صونها عن النجاسات جميعا ولذا يمنع عن الدخول فيها لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا أحل المسجد لحائض ولالجنب”، والكافر جنب لا يجوز له الدخول إلا لضرورة مثل أن يدخل الذمي إلى الحاكم للخصومة. وما جاء من الأحاديث من دخول الكفار في المسجد أجابوا عنه بأنه كان قبل نزول الآية المذكورة. قال ابن العربي في أحكام القرآن في تفسير قوله تعالى: “فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا”: “دليل على أنهم لا يقربون مسجدا سواه؛ لأن العلة وهي النجاسة موجودة فيهم، والحرمة موجودة في المسجد.”[4]

الثالث: مذهب الشافعية وهو التفصيل، فلا يجوز دخولهم في المسجد الحرام خاصة لظاهر قوله تعالى في الآية المذكورة ويجوز في غيره. قال القرطبي  في كتابه الجامع لأحكام القرآن : “وقال الشافعي رحمه الله: الآية عامة في سائر المشركين، خاصة في المسجد الحرام، ولا يمنعون من دخول غيره، فأباح دخول اليهودي والنصراني في سائر المساجد.”[5]

وهناك مذهب رابع يجوز دخولهم بإذن المسلم لحديث ثمامة المتقدم ونحوه، حكى ذلك ابن العربي في أحكام القرآن.


[1] سورة التوبة، آية 28.

[2] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية – القاهرة، الطبعة الثانية، ج 8، ص 105.

[3] سورة البقرة، آية 114.

[4] ابن العربي، أحكام القرآن، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة، ج 2، ص 469.

[5] القرطبي، ج 8، ص 105.

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *