محاضرة المفتي عن المناصب الدينية الإسلامية في أرتريا
هذه محاضرة ألقاها سماحة المفتي في لقاء عام بمدينة أسمرة. والمحاضرة طابعها تاريخي، يركز فيها سماحته، بعد ذكر مقدمة عن تاريخ دخول الإسلام إلى أرتريا، على المناصب الدينية وبالتحديد منصب القاضي، ومنصب قاضي القضاة، ومنصب المفتي. ولهذه المحاضرة أهمية تاريخية لاستقصائها لمراحل تاريخية تعود إلى قرون سابقة، مع إعتمادها على مصادر ووثائق محكمة مصوع وغيرها والتي قد اندرس بعضها في أزمنة لاحقة.
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا لك يا إله العالمين، ونصلي ونسلم على نبيك محمد وآله وصحبه أجمعين
وبعد:
ففي المناسبات السابقة المماثلة قد تعرضنا بذكر ما يتعلق بذكريات شهر رمضان، وبالتشريعات الإسلامية المختلفة من تفسير، وحديث، وفقه … واليوم نعرج إلى ناحية أخرى لها أهمية كبيرة في حياتنا الإجتماعية، وهي المناصب الدينية الإسلامية الآتي موجز شرحها أدناه.
تاريخ دخول الدين الإسلامي إلى أرتريا
الدين الإسلامي قد دخل إلى قطرنا هذا قبل سائر المعمورة، سوى مكة المكرمة؛ فقد دخلها في شهر رجب من السنة الخامسة من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وثمانية سنوات قبل الهجرة النبوية والموافق 612 م، حيث هبطت في التاريخ المذكور أول بعثة إسلامية إلى البلاد الخارجية مكونة من 15 نفرا من مكة المكرمة إلى جزيرة باضع (مصوع)، برئاسة سيدنا عثمان ابن عفان الأموي القرشي الصحابي، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفته الثالث.
وبعدها بزمن وجيز أتت بعثة ثانية، ووجدت ترحيبا عظيما في بلاط النجاشي، حيث شرحت له مبادئ الدين الجديد وأسسه، وتلت القرآن في رحابه لأول مرة، قرأها له زعيم البعثة جعفر ابن أبي طالب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، من سورة مريم ومن سورة العنكبوت، وقد تأثر النجاشي ورجال حاشيته من سماع القرآن حتى فاضت أعينهم بالدموع. وهذه هي النواة الأولى للدعاة الإسلاميين، ومنذ ذلك التاريخ فقد انتشر الإسلام، وقام دعاته من هذا القطر بنشره في المناطق الأفريقية الأخرى حتى وصلوا به إلى الساحل الأطلنطي وخليج غينيا.
سبع شيوخ من الدعاة الإسلاميين
ولقرب هذا القطر من مكة المرمة التي كانت تهبط إليها آلاف المسلمين سنويا لحج بيت الله تعالى، كان يكثر هبوط الدعاة الإسلامييين إليها من حجاج مختلف الآفاق ومن غيرهم. ومن أشهرهؤلاء الدعاة “الشيوخ السبعة” المعروفين “بسبع معمبرة”، الموجودة سلالتهم إلى الآن بين القبائل في الناحية الشرقية من أرتريا. ويعتقد أن مجيئهم إلى أرتريا كان في حوالي القرن السابع الهجري، وثلاثة عشر الميلادي، وبعض المؤرخون الغربيون قد ذكروا بأن السبعة المذكورين قد كانوا مرسولين من النبي صلى الله عليه وسلم لنشر الدعوة الإسلامية، وهذا أمر غير معروف لدينا حيث أنهم قدموا إلى هذا القطر بعد مضي عدة قرون من عصر الرسول كما تقدم، ولايسبعد أن يكون ماذكروه سبع أخرين أرسلوا قبلهم.
المذاهب الإسلامية في أرتريا
بعد أن افترقت الخلافة الإسلامية إلى الدولة الشرقية ببغداد، والدولة الغربية بالأندلس، كانت رسل الثقافة الإسلامية والفكرية والعلمية تنبعث منهما وتصل إلى هذا القطر تارة بواسطة طلابه الذين نفروا لطلب العلم، وتلقوا العلوم في معاهد الدولتين، وتارة بواسطة الدعاة الإسلاميين الذين كانوا يأتونها في أوقات متعددة كما تقدم. ولذا شاع في الناحية الشرقية من هذا القطر المذهب الحنفي حيث وصل هذا المذهب من الخلافة الشرقية (كما وصله المذهب الشافعي أخيرا) وشاع في الناحية الغربية منه المذهب المالكي حيث وصله من الخلافة المغربية.
المناصب الدينية الإسلامية
قال العلامة القرا في الفرق السادس والثلاثين من كتابه “الفروق” “إعلم أن رسول الله صلى الله عليه هو الإمام الأعظم، والقاضي الأحكم، والمفتي الأعلم، فهو صلى الله عليه وسلم إمام الأئمة، وقاضي القضاة، وعالم العلماء فجميع المناصب الدينية فوضها الله إليه في رسالته”.
توزيع المناصب بعد الجمع
فبعد أن كان الرسول وحده يقوم بإدارة هذه المناصب في عصر التشريع السماوي، قد جاء التوزيع والتقسيم فيما بعد باتساع رقعة الإسلام والعمران والنظم، فالبعض تحمل إمامة المسلمين، والبعض تحمل مسؤولية الفتوى، والبعض الآخر تحمل مسؤولية القضاء.
والمناصب الدينية الإسلامية التى تتوقف على الإختبار، والإختيار، والتعيين الرسمي الخاص، هى الثلاث الآتية أدناه:
1- منصب القاضي
2- منصب قاضي القضاة
3- منصب المفتي
المنصب الأول: القاضي الشرعي
القاضي الشرعي هو صاحب المقام الأول لكثرة إحتياج المسلمين إليه لقطع منازعاتهم، وإقامة العدل، ومنع الإجحاف، وقمع الظالمين بتطبيق الإحكام الشرعية المتلقاة من الكتاب والسنة. وأول قاضي في الإسلام هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كما كان مأمورا بالدعوة إلى الله تعالى والتبليغ، كان مأمورا أيضا بالحكم والفصل بين الناس في الخصومات، وقد جاء ما يشير إلى ذلك في كتاب الله: “فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما”.
قاضي باضع كان مقدم القضاة
وقاضي ولاية باضع (مصوع) بالنسبة لقطرنا كان مقدم القضاة ورئيسهم، حيث كان يشغل في بعض الأحيان المناصب الثلاث المشار إليها آنفا وتعيينه كان يتم من قبل السلطة العليا الحاكمة. وأما قضاة القبائل والمجموعات والقرى كان يتم ترشيحهم من قبل أعيان تلك الطوائف المذكورة، واختباره في الكفاءة العلمية، وتعيينه في القضاء الشرعي كان مختصات قاضي ولاية باضع…..
وكان قاضي باضع يلقب في مفتتح كل وثيقة من وثائق محكمته بلقب “فخر النواب المحترمين، ومؤيد شريعة سيد المرسلين، الواضع إسمه وختمه … أعلاه” وكان له مختصات أخرى يتميز بها عن غيره، منها صرة من النقود مع جبة مصنوعة من الجوخ الغالي ومزركشة بالخيوط المذهبة، وكان يكسيه هذه الجبة مندوب محافظة الولاية أمام جمهور المصلين في ميدان صلاة العيد في “رأس مدر” عقب الإنتهاء من الخطبة الثانية من صلاة عيد الفطر، وهذه الجبة كانت مستمرة إلى وقت قريب ولكن بصورة مصغرة.
القضاء في العصر الإيطالي
وبعد العصر الإيطالي قد تغير الحال، وحل نظام جديد، وانتظمت المواصلات، وسهلت الإتصالات، وضبطت المديريات، والمراكز، والقبائل، والمجموعات، وتغيرت العاصمة من باضع إلى أسمرة. ومنصب المفتي ظل شاغرا لمدة طويلة ، ولذلك كان تعيين القاضي يتم من قبل السلطة الحاكمة سواء كان قاض للولاية أو لغيرها. وفتحت في هذا العصر المحاكم الشرعية في مختلف مدن القطر تقل وتكثر على حسب الحاجة، وقد بلغ عددها 40 محكمة شرعية حسب إحصائيات 1940 م ، مع محكمة أرتريا للإستئنافات الشرعية.
…………………………………..
قوانين المحاكم الشرعية
وهذه المحاكم تطبق نصوص شرع الإسلام في جميع القضايا الواقعة بين المسلمين في غير الحدود، والقصاص، والشتائم، والنزاعات السوقية العادية، طبقا لنصوص الباب الثاني من قانون المحاكم الشرعية لعام 1365هـ. وكل قاض يحكم بمعتمد مذهبه، وعند الإستئناف منه يكون الفصل فيه طبقا لنصوص كتب مذهبه كما تنص مواد قانون المحاكم الشرعية الأرترية. والمعروف من قوانين ولوائح إجراءات المحاكم قديما وحديثا مايلي:
1) قانون المحاكم الشرعية الصادر في يوم 9 من رجب 1279 هـ الموافق يوم 7 يونيوا 1880م.
2) قانون المحاكم الشرعية الصادر في عام 1360هـ الموافق 1941م.
3) قانون المحاكم الشرعية الأرترية لعام 1365هـ الموافق عام 1946م والمشتمل على 207 مادة، وهو الذي عليه العمل الآن في المحاكم الشرعية، جزئية كانت أو إستئنافية.
أطوار الإستئنافات الشرعية
والإستئناف من المحاكم المذكورة كان يرفع إلى المحكمة العليا أولا، ثم إلى المحكمة الكبرى ثانيا، والآن يرفع إلى المحكمة الكبرى للإستئنافات فقط. وقد مر الإستئناف على مر التاريخ بالأطوار التالية:
الطور الأول: الإستئنافات إلى مفتي أو قاضي ولاية مصوع
يذكر الجنرال “فرديناد ديمرتين” الإيطالي في تقريره عند الكلام على مدينة مصوع وسمهر “أن القضايا الشرعية يحكمها القاضي الشرعي، ثم يكون الإستئناف من حكمه إلى قاضي ولاية مصوع أو إلى مفتيها”. وكان الحال مستمرا على ماذكر إلى أن توفي آخر مفتي لولاية باضع الشيخ عبدالله سراج علي أبو علامة في عام 1318هـ الموافق 1900م.
الطور الثاني: الإستئناف الفوضوي (مدة 26 عاما)
وبعد وفاة الشيخ عبدالله سراج بقي منصب المفتي شاغرا مدة 40 عاما، والإستئناف من القاضي الشرعي في تلك الفترة كان يتم بدون أي نظام، فالمتظلم من حكم القاضي كان يرفع إستئنافه إلى المحافظة التي يتبعها القاضي، والمحافظ يستشير بعض المسلمين المحيطين به في حكم القاضي الشرعي ، ثم يصدر حكمه على ضوء ذلك.
وكان القضاة يعترضون على هذا النوع من الإستئناف ويرون رفع الإستئناف من حكم القاضي الشرعي إلى الحاكم النصراني خروجا عن الدين. ومن ذلك أن قاضي “كرن” القاضي علي عبدالقادر الجبرتي المتوفي 1336هـ إستأنف من حكمه أحد الغرماء، فقال القاضي للمستأنف: إنك بإستئنافك من حكم القاضي الشرعي إلى الحاكم النصراني تكون مرتدا، فاستدعى المحافظ القاضي فعزله عن منصبه، ومثل ذلك قد حصل مع قاضي “قزاباند” بأسمرة الشيخ محمد خيار الأمين شدي الجبرتي المتوفي عام 1347هـ.
الطور الثالث: الإستئناف إلى ثلاثة قضاة جزء (مدة 3 أعوام)
وفي شهر صفر 1356هـ الموافق إبريل 1937م قد أنشئت محكمة أرتريا للإستئنافات الشرعية ، وعينت الحكومة لها أربع قضاة من قضاة المحاكم الشرعية الجزئية لمدة سنة، وكانت الجلسة تنعقد بثلاث منهم والرابع كان عضوا إحتياطيا. والإستئنافات من المحاكم الجزئية كانت ترسل إلى محافظة “أسمرة والحماسين”، ويستلمها كاتب مسلم مخصوص، وحين تتجمع قضايا الإستئنافات لديه يطلب الكاتب، بمشاورة المحافظ ، حضور القضاة الثلاث، فتنعقد جلسة الحكم، ويتولى الرئاسة أقدمهم وظيفة، وبعد الإنتهاء من النظر في القضايا تنفض الجلسة ويعودون إلى محاكمهم.
الطور الرابع: الإستئناف إلى مفتي أرتريا مع عضوين (مدة 12عاما)
إبتداء من شهر ربيع الثاني 1359هـ الموافق 21 مايو 1940م، قد صارت الإستئنافات إلى مفتي الديار الإرترية مع أربع قضاة من المحاكم الجزئية، إثنان دائمان يجلسان بالإستمرار في الجلسات مع المفتي، والإثنان للإحتياط عند مرض أو غياب أو وجود طعن في أحدهما. والمفتي كان يجمع في هذا الظرف ثلاث وظائف وهى، رئاسة محكمة أرتريا للإستئنافات الشرعية، ورئاسة القضاء والإفتاء، واستمر هذا الطور إلى شهر سبتمير 1952م .
الطور الخامس: إستئنافان للقضايا الشرعية (مدة سنة)
إبتداء من سبتمبر 1952م ، قد بارحت الحكومة البريطانية أرتريا، وحلت محلها حكومة أرتريا الوطنية، وعلى حسب النظام الذي وضع في إعلان رقم 133 لعام 1952م من الحكومة الإنجليزية، أسست للإستئنافات الشرعية محكمتان :
الأولى: المحكمة العليا الأرترية، ورئيس القسم الشرعي منها كان “قاضي القضاة” وهو الحاج أدريس حسين سليمان ، وكان يجلس معه قاضيان من المحاكم الشرعية الجزئية، كما كان هو يجلس في القضايا الأخرى غير الشرعية بصفة عضو.
الثانية: المحكمة الكبرى النهائية، والمفتي كان عضوا فيها مع رئيس المحكمة الكبرى الإنجليزي، والقاضي الإيطالي لمدة سنة واحدة.
الطور السادس: إستئناف واحد أمام قاض واحد (مدة 6 سنوات ونصف).
في شهر أكتوبر 1952م قد تغير النظام الأول، وبمقتضاه أعفي مفتي أرتريا من عضوية المحكمة الكبرى بدون بدل، وأعفى قاضي القضاة من المحكمة العليا، وبدلا منه عين قاض جديد بطريقة غير قانونية تعتبر هتكا للتقاليد الإسلامية، وترتب عليها عدة مضار فيما بعد، واستمر هذا النظام إلى مدة ست سنوات ونصف تقريبا.
الطور السابع: الإستئناف إلى ثلاثة قضاة بدون رئيس معين.
وفي عام 1957م قد حذف منصب قاضي القضاة من ميزانية الحكومة، وفي العام التالي ألغيت المحكمة العليا التي كانت تشمل الشرع والعرف، وبدلا عنها ولدت المحكمة العليا للعرف فقط، وبهذا قد حصر الإستئناف إلى القاضي الشرعي إلى المرة الواحدة، والقاضي الذي كان يحكم وحده في الإستئناف قد ضم إليه ثلاثة قضاة، فصاروا اربعة بدون رئيس معين لهم،…. ثم حولوا إلى المحكمة الكبرى بموجب قانون إدارة العدل لعام1958م ، وصار حكمها نهائي لا إستئناف بعده.
ومن هذا الحصر قد نتجت حالة شاذة في محيط العدالة، نتيجة لحرمان الشعب المحكوم بالشرع الإسلامي من المساواة أمام القانون، في وقت يسمح للمحكومين بغير القانون الشرعي ثلاث أو أربع إستئنافات للدفاع عن حقوقهم.
وبالرغم من عدم قانونية الإستئناف من المحكمة المذكورة فإن أصحاب الدعاوى كانوا يرفعون الشكاوي من حكمها إلى مصلحة القضاء والعدل، وهي بدورها كانت تحول ملف قضيتهم إلى مفتي أرتريا حيث ينظر في الشكوى، ثم يكتب تقريرا عنها إما برفض الشكوى وأما بإعادة النظر فيها إن ظهر له حق للمشتكي، وهذه الحالات قليلة، ففي ظرف 12 عاما بلغ عدد هذه الحالات 8 قضايا.
المنصب الثاني: منصب الإفتاء
الإفتاء هو بيان الحكم الشرعي، والوظيفة وظيفة نبوية، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين الأول لأحكام الشريعة الإسلامية. قال النووي في مجموعه “الإفتاء عظيم الخطر، وكبير الموقع، وكثير الفضل لأن المفتي وارث الأنبياء، وقائم بفرض الكفاية”.
وبالنسبة لقطرنا هذا فإن أخبار الإفتاء في العصور الغابرة مجهولة، وما وصل إلى علمنا من أخبارها في العصور الاخيرة يتلخص فيما يلي.
الفتوى في العصر التركي
الدولة التركية العثمانية استولت على سواحل هذا القطر في عام 965 هـ الموافق 1557 م، وبعد ذلك جعلتها تابعة تارة لولاية اليمن، وتارة لولاية الحجاز، تحت مشير مكة. والمظنون هو أن الإفتاء في أيامها كان تابعا لمفتي الولاية التي كانت تتبعها إدارة هذا القطر، ومما يدل على ذلك أن قضية رفعت إلى قاضي باضع فأجل النظر فيها إلى أن تأتيه الفتوى من مكة المكرمة ؛ ولايستبعد هذا وجود مفتي خاص بها بدليل أن الشيخ أبوعلامة الآتي ذكره قريبا، كان مفتيا في آخر هذا العصر.
الفتوى بأرتريا في العصر المصري
في عام 1282 هـ الموافق 1866 م قد حلت الحكومة المصرية العلوية مكان الدولة التركية ، وفي عصرها قد تولى الإفتاء من يأتي أدناه، أخذا من سجلات محكمة باضع الشرعية.
1- مفتي ولاية مصوع علي أبو علامة:
الشيخ علي بن محمد نور أبو علامة يعتقد بأنه كان مفتيا لباضع في أواخر العصر التركي، واستمر إلى أوائل العصر المصري. ووجدت إسمه في سجلات المحكمة المذكورة تارة ملقبا بمفتي مصوع، وتارة ملقبا بمفتي مصوع ووكيل القاضي، وهو أول من عرفنا إسمه من المفتين بباضع وتوفي حوالي 1282 هـ الموافق 1866 م.
2- مفتي ولاية مصوع أحمد خليل:
الشيخ أحمد خليل مفتي ولاية باضع لم أقف على بدء تعيينه، ولكن رأيت له في سجلات محكمة مصوع الكتابة التفتيشية على سجلات قاضي ولاية مصوع الآتية أدناه:
“قد صارت المراجعة والإطلاع على سجلات العلامة عبدالكريم قاضي ولاية محافظة مصوع فوجدتها مستوفية شرعيا ومتتابعة على المنوال الشرعي في ست خلت من جمادى الثانية 1299 هـ. “
كما وجدت في أحدى سجلاتها ما يشير بأنه في شهر محرم عام 1300 قد سافر في الإجازة إلى بلده ، وهناك قد صدر منه مايؤيد ثورة أحمد عرابي ضد خديوي مصر توفيق إسماعيل التي كانت قائمة بمصر في ذلك الحين، وبسبب ذلك قد أعفي من منصبه وعين مكانه العالم التالي.
3- مفتي ولاية مصوع إبراهيم عبد السميع:
الشيخ إبراهيم عبد السميع كان من أفاضل علماء الأزهر الشريف كما ينص على ذلك سجل المحكمة المذكورة، وقد عين مفتيا في التاريخ الذي أعفي فيه سلفه المفتي أحمد خليل في شهر محرم 1300 هجرية الموافق 1882م ، واستمر إلى عام 1302 هجرية، وكلاهما كانا يشرفان على المحكمة الشرعية، وعلى مجلس ولاية محافظة مصوع، ويوقعان إمضاءهما في سجلاتها في بعض القضايا المهمة، كقضايا القتل، وقضايا الملل الأخرى غير الإسلامية.
4- مفتى مصوع عبدالله سراج أبو علامة:
الشيخ عبدالله سراج بن علي بن محمد نور أبو علامة، ولد المذكور بمصوع وتولى الإفتاء والقضاء معا، ولم أقف على بدء تعيينه واستمر في منصبه إلى أن انتقل إلى رحمة الله في يوم 28 شعبان 1318 هجرية الموافق 20 ديسمبر 1900م، وكان يلقب بمفتي مصوع ووكيل القاضي، كما كان يلقب به والده كما قدمنا آنفا.
نموذج عن تعيينات المفتي للقضاة
وكما قدمنا آنفا فإن قضاة القبائل والمجموعات والقرى كان يتم ترشيحهم من أعيان تلك الطوائف، واختبارهم في الكفاءة العلمية والقضائية وتعيينهم في القضاء كان يتم من قبل مفتي الولاية. فمثلا كانت الجهة المحتاجة إلى القاضي تعقد إجتماعا تختار من بينها عالما، ثم ترسل من عندها وفدا إلى حاكم المنطقة، وهو يحول الأمر إلى المفتي الذي بدوره يختبر المرشح ويعينه في القضاء. وما يأتي أدناه هو نموذج من تعيينات مفتي حرفيا:
رقم (103)
إنه لما كان يوم السبت المبارك 6 رمضان 1315 هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، لما ظهر لي صلاح الشيخ بشير باتنبيه الجبرتي من أهالي أسمرة وديانته وصيانته ومعرفته بالحلال والحرام ممن أثق بهم من أهل الدين والصلاح قد أقمته نائبا شرعيا ليجري شؤون الشرع من نكاح وطلاق وقسمة وللفصل بين الخصوم ممن ترافع إليه على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة وأن يسأل في كل حادثة شاملا شافيا وينصب الأوصياء ويزوج الصغيرة التي ليس لها ولي من العصبة ولا من ذوي الأرحام وأوصيته بتقوى الله في السروالعلانية والتجنب عن الحرام والغدر والخيانة هذا عهدي له وبالله التوفيق.
يوم 7 من رمضان 1315هجرية الموافق 30 جنايو 1898م
مفتي مصوع ووكيل القضاء عبدالله سراج علي أبو علامة
وهذه هي إحدى صيغ تعيين القاضي الشرعي الصادرة من المفتي الأخير بولاية باضع، وعلى مثاله قد حصل تعيين الفقيه إبراهيم عبد قاضيا لقبائل “أساورتة” في حوالي 1283هـ، والشيخ علي عبدالرحمن قاضيا لمنطقة عدي وقري ثم لعموم جبرتي أكلى غوزاي في حوالي عام 1315هجرية.
أربعون عاما بدون مفتي
إبتداء من تاريخ وفاة مفتي مصوع الأخيرالشيخ عبدالله سراج بن علي أبو علامة،
مكث القطر بدون مفتي 40 عاما، ثم عقب حادثة حصلت لعضو محكمة أرتريا للإستئنافات الشرعية قد إجتمع أعيان المسلمين بأسمرة، وحرروا عرضا مؤرخا بيوم 16 من ربيع الأول 1359هجرية الموافق يوم 14 من إبريل 1940م، ورفعوه إلى حاكم عام أرتريا وطلبوا فيه تعيين المفتي لهم كما كان الحال سابقا في العصور الماضية ، ونتج من هذا التعيين الأخير لمفتي أرتريا .
وكما قدمنا آنفا، كان القاضي الشرعي باعتبار كونه مسؤولا عن الشريعة الإسلامية، ورئيسا للمسلمين في منطقته من الناحية الدينية، كان تعيينه يتم من قبل المفتي في التقاليد السابقة، ولكن بسبب خلو القطر من المفتي في هذه الفترة الطويلة قد نسيت تلك التقاليد، وصار تعيينه من قبل رجال الحكم من غير المسلمين، مما أدى إلى نشؤ حالة شاذة لا تتفق مع التقاليد والأعراف الإسلامية ، وتسبب من هذا طغيان الإعتبارات السياسية على النواحي الشرعية في تعيين القاضي مما أدى إلى إستبعاد أصحاب الكفاءات، وتعيين كل من لايحمل مؤهلا……..
الواجبات القانونية للمفتي
ولمفتي أرتريا واجبات منصوص عليها في شؤون القضاء الشرعي في إعلان رقم 133 لعام 1952م لإدارة العدل:
1- مادة (5) منه فقرة (4) في الإشراف العام على شؤون المحاكم الشرعية.
2- مادة (8) فقرو (أ) و (ب) في اختيار القاضي الشرعي.
3- مادة (28) منه لإعطاء المشورة لرئيس المحكمة الكبرى في القسم الشرعي.
4- مادة (72) منه فقرة (ب) للإشتراك في لجنة القوانين في المحكمة الكبرى.
المنصب الثالث : منصب قاضي القضاة
قاضي القضاة ، أو قاضي الجماعة في اصطلاح المسلمين هو رئيس القضاء والمشرف العام على جميع الشؤون القضائية. والأول تعبير المشارقة كما كان الحال في بغداد، والثاني تعبير المغاربة كما كان الحال في الأندلس.
وأول من عرف بهذا اللقب في الإسلام قاضي قضاة بغداد أبو يوسف يعقوب ابن إبراهيم تلميذ أبي حنيفة المولود في عام 113هجرية والمتوفي عام 182 هجرية في أواخر القرن الثاني الهجري. وكان أبو يوسف يمر على القضاة ويتعرف عن أحوالهم وسيرهم ، ولم يقلد في زمنه قاضي ببلاد العراق، وخراسان، والشام، ومصر، إلا بإشارته؛ ولما أخذت البلاد الإسلامية تستقل ويكون لها وحدة خاصة، أصبح الولاة هم الذين يعينون في كل قطر قاضي قضاة بعد أن كان قاضي قضاة بغداد يقوم بذلك في أيام قوة الخلافة العباسية ووحدتها. قال القرمان في تاريخه “كان من عادة الخلفاء أن يولوا القاضي المقيم ببلدهم القضاء بجميع الأقاليم والبلاد التي تحت ملكهم ثم يستنيب القاضي من شاء في كل إقليم وفي بلد ولهذا كان يلقب بقاضي القضاة ولا يلقب به إلا من هو بهذه الصفة ولقد كان قاضي القضاة أوسع حكما من السلاطين بل كان يحكم عليهم”.
قاضي القضاة في القطر الأرتري
وفي قطرنا هذا كما قدمنا آنفا فإن القضايا الشرعية كان يحكمها القاضي ومنه تستأنف إلى قاضي ولاية باضع أو المفتي، وأن منطقة أرتريا كانت تابعة للخلافة التركية العثمانية التي كانت تضمها تارة إلى ولاية اليمن، وتارة إلى ولاية الحجاز، وربما يعين لها “قاضي قضاة” خاص بها، ويؤيد ذلك أن مفتي مصوع الشيخ علي أبو علامة كان تولى هذا المنصب في آخر العهد التركي…..
إتحاد منصب المفتي وقاضي القضاة وانفصالهما
منصب المفتي ومنصب قاضي القضاة كان تارة يتولهما شخص واحد كما كان الحال في قطرنا، وقديما كان القائم بها في ولاية باضع يلقب بمفتي مصوع ووكيل القاضي، ومنذ عام 1940 يلقب بمفتي أرتريا ورئيس القضاة، وتارة يشغلهما شخصان كما كان الحال في مدة 5 سنوات مضت إبتداء من عام 1952 إلى عام 1957م. ففي تلك الحالة كان قاضي القضاة يختص بالحكم في الإستئنافات الشرعية، ومحاكمة القاضي الشرعي عند حدوث تهمة ضده، ومسائل تنفيذية أخرى، وكل ذلك تحت الإشراف العام للمفتي.
واجبات قاضي القضاة
لقاضي قضاة أرتريا واجبات منصوص عليها في المواد القانونية التالية:
1- مادة (2) في قانون المحاكم الشرعية رقم 2 لعام 1946م في اختيار القاضي الشرعي
2- مادة (8) منه لمحاكمة القاضي في مختصات المحكمة الشرعية
3- مادة ( 151) في رفع مشكلات المحاكم الشرعية إليه.
وفي عام 1957م قد حذف منصب “قاضي القضاة” من ميزانية الحكومة مع بقاء واجباته في نص القانون.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!