كتابات المفتي ومؤلفاته

تعددت كتابات سماحة المفتي ، وتنوعت تنوعا كبيرا ، وتناولت قضايا ومواضيع متعددة. وكان هذا التعدد يعكس سعة إهتمامات سماحته ، وإطلاعه الواسع ، وتنوع مهامه. ورغم أن إهتمامات سماحته العلمية كانت في الأغلب شرعية وتاريخية ، إلا أن الواقع السياسي المخيم على البلاد فرض عليه الخوض في المسائل السياسية والوطنية والكتابة فيهما بإفاضة. وكان لسماحته نهم شديد في المطالعة ، والبحث ، وجمع المعلومات. فقد كان يتابع بصفة يومية ما يصدر من الصحف ، ويتابع النشرات الحزبية والرسمية ، ويطالع المسائل الدستورية والقانونية ، وكل ما له تعلق بالواقع الأرتري والإسلامي. وكان يحرص على إقتناء ومطالعة كل ما يصدر من الكتب والصحف ، حتى باللغات الأجنبية. ولما بلغه صدور كتاب “الإسلام في أثيوبيا” لمؤلفه سبنسر ترمنجهام * (باللغة الإنجليزية) طلب من القنصل البريطاني في أسمرة أن يمده بنسخة من الكتاب ففعل. وكان في زياراته ، ولقاءاته ، في كل أنحاء البلاد يسأل زعماء القبائل ، والقضاة ، عن كل ما يتعلق بقبائلهم ، وأنسابهم ، وتقاليدهم. وحتى الطوائف المسيحية كان يحرص على معرفة ما يتعلق بها ، ويسأل من يلتقي بهم من زعمائها كل ما يختص بشؤونها. ويتضح من كتاباته سعة معرفته بالطوائف النصرانية ، وفرقها ، وعقائدها ، وقبائلها. وكان سماحته يحمل معه دائما مفكرته التي كان يدون فيها الأحداث اليومية ، ويحرص على الإحتفاظ بالصحف ، والوثائق المهمة.

وكتابات سماحة المفتي يمكن تقسيمها بالجملة إلى مايلي :

1كتابات شرعيه : وهذه تحتوي على الفتاوى التي كان يجيب عليها سماحته ، وعلى بحوث ودراسات في الفقه الإسلامي – فروعه وأصوله -. وكان سماحته يدون فتاويه ، ويرقمها بالتسلسل ، ويجمعها في مجلدات خاصة. ورغم أنه كان حنفي المذهب فإنه كان يفتي على المذاهب الأربعة ، ويحرص على ذكر أدلة كل مدرسة من هذه المدارس ، وكان يرجح بعض الأقوال حينا ، ولا يرجح في حين أخر. وكان في الغالب يلتزم رأي الجمهور ، وما عليه عامة الفقهاء ، ولكن هذا لم يمنعه من ترجيح ما خالف قول الجمهور فيما وجد عنده المرجح ، كما فعل في قضية دية المرأة فقد أخذ فيها بقول من ساوى بين دية المرأة والرجل ، وفي مصارف الزكاة حيث رجح قول من وسع مصرف “في سبيل الله”.

2- كتابات تاريخية: أما كتاباته التاريخية فكانت تركز على الشرق الأفريقي بصفة عامة ، والإسلامي منها بصفة خاصة ، وكان لأرتريا النصيب الأوفر منها. وكان الدافع لهذه الكتابات ، بجانب البحث التاريخي المحض ، الرد على ما كان تتداوله بعض الأقلام من إفتراءات على التاريخ الإسلامي ، وسد الفراغ الناشئ من قلة الدراسات التاريخية. وكان سماحته يحرص على تدوين تفاصيل الأحداث بصورة متسلسلة ، ويترجم لكل من عاصر وفاتهم من أعيان البلاد ، ذاكرا شيئا مما يتعلق بهم. وكان أيضا يدون تراجم العلماء ، والقضاة ، والدعاة الذين عاصرهم ويأخذ منهم أو ممن إتصل بهم كل ما يتعلق بسيرتهم الذاتية. وقد إهتم سماحته بتدوين سيرة النجاشي ، وملوك الإسلام في الحبشة ، والعلماء المنسوبون إلى رواق الزيالعة والجبرتة. واهتم أيضا بتاريخ وتراث مدينة مصوع ، التي كان يعتبرها مركز الإشعاع الإسلامي والحضاري ؛ فكتب فيها  المقالات ، وأفردها بمصنفه “الجامع بأخبار جزيرة باضع” ، وبذل جهدا كبيرا في جمع وترتيب ما بقي من وثائق في محاكمها ، ومساجدها وعند معمريها.

3- كتابات سياسية : بدأ سماحته الكتابة في المجالات السياسية مبكرا حين كان طالبا في الأزهر ، وكانت كلها ضد الإستعمار الإيطالي. وبعد عودته إلى أرتريا دخل في خضم المعترك السياسي حول مستقبل ومصير أرتريا. وكان سماحته داعيا ، ومناصرا متحمسا لإستقلال أرتريا. ولذلك كتب العديد من المقالات ، بل وساهم في كتابة بعض أدبيات حزب الرابطة ومذكراتها. ومعظم مقالاته السياسية كتبها بأسماء مستعارة وذلك مراعاة لمتطلبات منصب المفتي.

4- كتابات في الأنساب: كان سماحته يهتم بالأنساب كثيرا ، ويسأل عنها المعمرين ، وشيوخ القبائل. وكان على دراية واسعة بأنساب كثير من القبائل العربية ، والأرترية. وبحكم نسبته إلى قبيلة الساهو فإنه كان خبيرا بأنسابها ، وأصولها ، وأفخاذها. وكتاباته في الأنساب مبثوثة في مؤلفاته المختلفة. وأبرزهذه المؤلفات هو كتاب: الحاوي بأخبار الشعب السيهاوي**. وهذا الكتاب بدأ سماحته في كتابته يوم كان في مصر ، حيث طلب منه الأستاذ محمد صالح ضرار بن علي (من قبيلة أفلندا عجيل) ، الذي أشتهر في السودان “بمؤرخ البجا” ، أن يمده بمعلومات عن تاريخ قبائل الساهو ليضمه إلى كتابه عن تاريخ القبائل الإسلامية القاطنة في سواحل أرتريا ، فشرع سماحته في الكتابة ، ثم رجع إلى أرتريا ، وانقطع الإتصال بينه وبين المؤرخ المذكور. ولما عقد مؤتمر قضاة أرتريا ، وتجمع القضاة من كل أنحاء أرتريا ، إقترح عليهم أن يكتب كل واحد منهم كل ما يتعلق بقبائل منطقتهم ، وتعهد هو بإتمام ما بدأه فيما يتعلق بقبائل الساهو، وكان الكتاب نتاج ذلك.

5- كتابات إدارية : وهذه تتمثل في الخطابات والنشرات التي كان يصدرها في شؤون الإفتاء ، والأوقاف ، والقضاء ، والتعليم ، وما يتعلق بقضايا المسلمين. وكان سماحته يرقم خطاباته ، ويبوبها ، ويحتفظ بنسخ منها. وخطاباته تعد بالمئات. وكان من عادة سماحته بعد كل لقاء رسمي له مع الحاكم العام أو المسؤوليين ، أن يحرر إليهم خطابا أشبه ما يكون بمحضر إجتماع يتضمن فيه ما دار بينه وبينهم من حديث ، وكان ذلك بقصد التوثيق والتأكيد. أما المنشورات فكانت في مسائل تتعلق بنظم ، وضوابط ، ولوائح ، وتصريحات ، وتعيينات في مسائل الأوقاف والقضاء وغيرها.

ُكتبة المفتي ومعاونيه:

وكانت كتابات سماحته إما على شكل مقالات – وقد تجاوزت ال500 مقالة –أو الكتب أوالمخطوطات. ومعظم مقالاته نشرت في الصحف العربية المحلية مثل  :جريدة الزمان ، وجريدة الوحدة ، وصوت الرابطة الإسلامية. أما الكتب فقد طبع بعضا منها ، وخاصة التي كتبها في مصر. أما المخطوطات – وهي الأكثر- فقد كتبت باليد ، وكان سماحته يزيد وينقح فيها باستمرار. ولذلك فإنه كان يترك فراغات من الصفحات بين فصولها ليضيف إليها ماجد من المعلومات. فكتاب “الحاوي” على سبيل المثال وصلت نسخه إلى أكثر من عشرة نسخة ، حيث كان يضيف ويزيد في كل نسخة.

وقد كان سماحته يعاني من الكتابة نظرا لكثرة مهامه ومشاغله ، وأجواء التجسس ومصادرة الحريات التي عاصرها في عهد الإمبراطور ، بالإضافة إلى ما كان يعانيه من متاعب في الكتابة بيده اليمنى. ولذلك فإنه كان يعتمد على غيره في الكتابة ، حيث كان يملي عليهم ، أو يطلب منهم النسخ. وكان له كاتبان يعملان في مكتبه ، حيث كان يستعين بهما ، ويستعين ببناته الكبار، وبطلبته ، وبمن يثق بهم من المحتكين به. ويتضح من مخطوطاته أنه كان هناك تفاوت كبير في الإمكانيات الكتابية لكتابه ، وكان سماحته – حسبما يتسنى له – يراجع ويصحح ما يملى عليهم. وقد أذن لبعض كتابه أن يحتفظوا لأنفسهم بنسخ من بعض مخطوطاته ، وهي نسخ لا تمثل بالضرورة أخر ما خلفه وكتبه سماحته أو قام بمراجعته مراجعة شاملة.

الهوامش:

* Islam in Ethiopia, by  J. Spencer Trimingham

Pages: 299.

Publisher: Oxford University Press (1952)

ASIN: B0007J3RQS

** الشعب، بفتح الشين وهو النسب الأبعد الذي تنتسب إليه القبائل كعدنان، ويجمع على شعوب، وسمي شعبا لأن القبائل تتشعب منه. (نقلا من فصل : طبقات النسب ، من مؤلف المفتي)

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر − 7 =