فقرات من كلمة المفتي في افتتاح مدرسة حرقيقوا (ملحق: ترجمة مؤسس المدرسة صالح كيكيا)
مدرسة مدينة حرقيقوا هي من أوائل المدارس التي افتتحت في أرتريا، في 9 مارس 1944م، في حفل حضره جميع أعيان أرتريا من المسلمين وغير المسلمين، بما فيهم: رجال الإدارة الحربية البريطانية وعلى رأسهم حاكم عام أرتريا. وبعد كلمة وجيزة باللغة الإنجليزية للحاكم العام، والتي ترجمت إلى العربية، ألقى سماحة المفتي كلمته، وفيما يلي فقرات منها.
بسم الله الرحمن الرحيم
“إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا.”[1]، “رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ.”[2]
وبعد:
فيا حضرات السادة نحتفل في هذا اليوم بفتح أول مدرسة ومعهد ديني في مدينة حرقيقوا، وتلك نفحة تعد درة أو غرة في جبين هذا العصر لدى حكومة أرتريا. وقد قام ببناء صروحها وعروشها الكمندتور صالح إبن الحاج محمد كيكيا[3]، وقد أرصد وصرف نفيس أمواله في هذه المنشأة العظيمة، وواصل جهده إلى أن أخرجها في مدة وجيزة من حيز التفكير إلى حيز الوجود والعمل، وهذا صنع يستحق التقدير والإعجاب، وفي مثل هذا فليتنافس المتنافسون وليعمل العاملون.
إن الإنسان يصرف ماله في جهات متعددة، ولكن خير جهة يصرف فيها المال هي جهة التعليم والتعلم ووسائلها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها.”[4] فالعلم أسمى تجارة لها ميدان واسع يجد كل إنسان فيه مأربه. فمن طلب الجاه والرئاسة يجده فيه، ومن طلب المال والأخلاق والحضارة يجده فيه، ولذا قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: “من طلب الدنيا فعليه بالعلم، ومن طلب الآخرة فعليه بالعلم.”[5]
بالعلم ترتفع المشروعات العمرانية والصناعية والاقتصادية والصحية والأخلاقية، وبه تروج أسواق النهضة العلمية والفكرية والسياسية، ومن تأخر في العلم تأخر في البؤس والشقاء، فيكون جرثومة بين الأمة كالعضو المعلول في الجسم السليم. وعلى كل إنسان منا واجب ملقى على عاتقه على حسب الوظيفة التي أسندت إليه، ومن أهم تلك الواجبات، الواجب الملقى على عاتق المدرس لأنه يحتاج إلى التضحية في إعمال الفكر والسهر في ترتيب الطرق التي تسهل إيصال المعلومات إلى أذهان الطلاب وتدريبهم على العمل والنظام والآداب والأخلاق. ….
هذا ولا يفوتني أن أقدم شكري لجميع من لبى دعوتنا هذه عموما على اختلاف أماكنهم ووظائفهم ومراتبهم، وأخص منهم حضرات الضباط السياسيين.
وختاما أسال الله سبحانه وتعالى أن يكلل أمورنا بالنجاح التام، وأن يرشدنا إلى ما فيه النفع والإصلاح العام، وأن يجعل عامنا هذا عاما ترفرف على هامته حمام السلام ، إنه صاحب الجود وولي الإنعام.
[1] سورة الفتح، آية 1.
[2] سورة الأعراف، آية 89.
[3] الأستاذ صالح باشا كيكيا:
- ولد الأستاذ صالح باشا كيكيا في 22 يوليو 1904م، الموافق 1323 هجرية.
- اشتغل في العمل التجاري مع والده، ثم أسس عملا تجاريا خاصا به.
- بعد الاحتلال الإيطالي لأثيوبيا، اتسعت أعماله التجارية وامتدت إلى أثيوبيا حتى صار من كبار تجارها.
- أسس مدرسة “حرقيقو”، وأوقف عليها 44 بابا في مدينة أديس أبابا، وصرف عليها الكثير من المال. وقد تخرج من هذه المدرسة عدد ممن كان لهم دور قيادي في الساحة الأرترية، كالأستاذ عثمان سبى وغيرهم.
- توفي في 10 رجب 1376هجرية، الموافق 10 فبراير 1957م في مصوع، ودفن في حرقيقو، حيث شارك في جنازته جمهور كبير من كل نواحي أرتريا.
[4] الحديث من رواية عبد الله بن مسعود، أخرجه البخاري (1409)، ومسلم (816).
[5] وورد في بعض الروايات بصيغة: “من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم.” انظر: أبو بكر البيهقي، مناقب الشافعي، المحقق: أحمد صقر، مكتبة دار التراث – القاهرة -، الطبعة الأولى، ص 20.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!