شهداء الرابطة وتضحياتها الجسيمة

تم تأسيس حزب الرابطة الإسلامية الأرترية بعد مداولات ومشاورات مكثفة، نتجت عن إحساس بخطورة الموقف السياسي، ومعرفة بما كان يدور في الخفاء من مؤامرات تسعى لتجزئة البلاد أو إلحاقه قسرا بأثيوبيا. وكان انعقاد المؤتمر التأسيسي للرابطة إنجازا كبيرا أرعب وأزعج العناصر التي كانت تعمل بتوجيه ودعم من الجهات الخارجية الاستعمارية. ولذلك سعت هذه الجهات لإفشال هذا المؤتمر التأسيسي، ونسفه من داخله من خلال نشر الفرقة بين أعضائه، ولكن المؤتمر تغلب على هذه المحاولات، وتم إعلان ميلاد الرابطة كأكبر حركة شعبية تمثل قطاعا عريضا من الشعب الأرتري، وكطليعة للحركة الاستقلالية المناوئة للتجزئة وللاستعمار. ورغم الفشل الذي منيت به الجهات المناوئة في وأد الرابطة ومنع ظهورها، فإنها شمرت جهودها لتشويهها عبر الشائعات الباطلة والدعاوي الملفقة. ولم تكتفي هذه العناصر بهذا، بل سعت لشراء ذمم قيادي الرابطة وزعماء القبائل الموالية للرابطة عبر الإغراءات المالية ووعود المناصب الكبيرة. ورغم استجابة شرذمة قليلة من الزعماء، فإن الجمهور الأعظم رفضها وأعرض عنها إعراضا تاما. وكان من أسوء ما لجأت إليه العناصر المناوئة للرابطة، الإرهاب السياسي الذي تصدرته جمعية “محبر أندنت” [1] التي عاثت في البلاد قتلا وتدميرا، وكانت وراء كثير من أعمال العنف والإرهاب. وقد دون سماحة المفتي بعضا من حوادث الإرهاب والتدمير الذي مارسته هذه العصابات ضد الأحرار من أبناء الوطن عموما، والمنتسبين إلى الرابطة خصوصا؛ وكتب في مناسبة ذكرى تأسيس الرابطة مقالا طويلا نشره من غير إمضاء في صحيفة محلية، عدد فيه ما تعرضت له الرابطة وأبنائها من الإرهاب والتنكيل. وهذه بعض ملامح هذا الإرهاب نقلا عن ذلك المقال.


  1. تدمير ممتلكات المنتسبين إلى الرابطة:
    تعرضت ممتلكات زعماء الرابطة والمنتسبين إليها للنهب، والتدمير، والسطو بهدف إفقارهم وقطع موارد الرزق، والتموين عنهم. ومن هذه الحوادث المتعددة يمكن الإشارة إلى الاعتداء الذي حصل على أموال ومواشي الحاج إمام موسى، نائب رئيس فرع الرابطة بأسمرة، في عام 1947م؛ وتخريب مزرعة الحاج عبد القادر كبيري، رئيس فرع الرابطة بأسمرة، وذلك قبيل اغتياله بوقت قصير. ومنها أيضا تخريب وتدمير مزارع الكماندتور محمد سالم باطوق الشهيرة، ونهب ما وجدوا فيها من الأموال؛ وكذلك حرق قصر الكفاليري الشيخ حسن محمد باطوق، وتخريب مخازن ومزارع السيد حسن بن محمد الصافي، وكل هؤلاء من زعماء ومنسوبي الرابطة.
    وفي الفتنة الطائفية التي اشتعلت إثر اغتيال نصر الدين باشا وانتشار الفوضى العارمة، استغل الاتحاديون الظرف، فنهبوا، ودمروا، وحرقوا المحلات التجارية الخاصة بالمنتسبين إلى الرابطة والمتعاطفين معها، محدثين خسائر بالغة وجسيمة. يقول سماحة المفتي في وصف هذه الخسائر: “أما خسائرهم في الأموال فأمر كبير يصعب خوضنا بإحصائه في هذا الظرف” ويستطرد في تقدير ذلك ويقول: “وخسائر أبناء الرابطة في كل هذا لا يقل عن عشرين مليونا من الجنيهات.”
  2. محاولات الاغتيال الفاشلة:
    أما محاولات الاغتيال الفاشلة فكثيرة، ولم يسلم منها إلا القليل من زعماء الرابطة؛ وقد تعرض منزل سماحة المفتي لتسع هجمات بالقنابل سلم منها جميعا. كما تعرض مسكن الشيخ عبد القادر محمد صالح كبيري، رئيس فرع الرابطة بأسمرة، لهجوم بالقنابل في شهر رجب 1366هـ الموافق شهر يونيو 1947م؛ وتعرض مسكن الحاج حسن علي، رئيس حي أسمرة الثاني[2] ، و”أحد قادة الرابطة وشيوخها المفكرين”، لعدة هجمات بالقنابل، منها هجوم في شهر شعبان 1366هـ الموافق شهر يوليو 1947م، وهجوم آخر في شوال 1366هـ الموافق سبتمبر1947م. وقد جرت محاولة فاشلة لنسف منزل الحاج إمام موسى، نائب رئيس فرع الرابطة بأسمرة، بوضع الديناميت في بيته وذلك في شهر شعبان 1366هـ الموافق شهر يوليو 1947م. وفي شهر جمادى الأولى 1368هـ الموافق شهر مارس 1949م، ألقيت عدة قنابل على منزل الجرازماش برهانوا أحمد دين، عمدة حي “جزا برهانوا” وعضو فرع الرابطة، فنجاه الله. وقد تعرض منزله لهجوم آخر أدى إلى تدميره تماما وتحويله إلى كتلة من التراب والصخور.
  3. شهداء الرابطة:
    أما شهداء الرابطة فهم بالمئات. وقد اغتيل البعض منهم غيلة بمفردهم، وآخرون تم تصفيتهم تصفية جماعية، وخاصة في القرى وبعض الأحياء الفرعية. وفيما يلي بعضا ممن تم اغتيالهم من الأفراد، وذلك في الفترة ما بين عام 1947 إلى 1951 :
    • الحاج عبد الله بن العلامة الحاج طه، عضو بارز في الرابطة بأسمرة، تم اغتياله في 8 محرم 1366هـ الموافق 21 فبراير1947م، فتوفي لساعته وهو “الشهيد الأول للرابطة.”
    • النائب محمود عثمان حسب الله، “الشاب الذكي”، عضو الرابطة في كرن، تم اغتياله في ليلة الجمعة 20 صفر 1367هـ الموافق 3 يناير 1948م، توفي بعد ثلاث ساعات من اغتياله وهو “الشهيد الثاني للرابطة.”
    • الشيخ عبد القادر محمد صالح كبيري، “الزعيم الجليل”، رئيس فرع الرابطة بأسمرة، تم اغتياله في أسمرة في يوم الأحد 28 جمادى الأول 1368هـ الموافق 29 مارس 1949م.
    • الشيخ نصر الدين سعيد، عضو الرابطة الإسلامية، ورئيس محطة سكة الحديد في “إمبادرهوا” -قرب أسمرة-، تم اغتياله في يوم 3 جمادى الأولى 1369هـ الموافق 20 فبراير 1950م.
    • الشيخ محمد شيخ آدم الجبرتي، مراقب الأعمال في مصلحة الغابات، وعضو الرابطة، قتلوه طعنا بالسكاكين في27 جمادى الثانية 1369هـ الموافق 15 أبريل 1950م، في مدينة “سقنيتي.”
    • أزماش عبد القادر جابر، من أعضاء الرابطة، تم اغتياله في قرية “هداموا”، عن عمر يقارب 90 عاما، وذلك في 29 شعبان 1369هـ الموافق 15 يونيو 1950م.
    • محمد موسى محمد، “الشاب النابه”، من شبان الرابطة، ومن سكان حي “أكريا” بأسمرة، تم اغتياله في 6 رجب 1370هـ الموافق 13 أبريل 1951م.

يقول سماحة المفتي وهو يعبر عن المآسي والنكبات التي تعرض لها أبناء الرابطة والمتعاطفين معها: “إن منكوبي الرابطة الآف من الأرامل والأيتام… والمعتدى عليهم، ومنكوبي من رأى رأيها أيضا ليس بالقليل، وإن شهداء الرابطة كثيرون يعسر تعدادهم وحصرهم.” ويستطرد سماحته في مخاطبة شهداء الرابطة قائلا: “فيا أيها الشهداء إن غبتم عن أعيننا حسا إلى عالم آخر، فأنتم بدون شك أحياء ترزقون عند الله تعالى، وأحياء لدى الأجيال القادمة، ولكم لسان صدق في الآخرين، فقد صبرتم وصابرتم على رابطتكم، ومتم عليها، لتحي الرابطة، ولتصان حقوق الوطن، وستبقى ذكراكم عاطرة في مختلف الأجيال المقبلة، وأسوة حسنة لأرباب المبادئ العظيمة.” ويقول سماحته وهو يختم حديثه عن تضحيات الرابطة: “وهذا كله تحملته الرابطة في النفس والأموال للدفاع عن حقوق الوطن، وحريته، والذود عن الشعب الاستعباد والاستعمار الجديد…”

ورغم مسلسل العنف والإرهاب الذي منيت به الرابطة، فإنها لم تستسلم للإرهاب، بل مضت في عزم وثبات تدافع عن حقوق الوطن؛ كلما مضى شهيد، حمل الراية بعده آخرون. وقد التزمت الرابطة منهج العمل السلمي، فلم تجاري مناوئيها في أساليب الاغتيال، والإرهاب، والعنف، فيما عدا الدفاع عن النفس؛ ولم تلجأ إلى تهجير الأقليات المخالفة لها في مناطق نفوذها وانتشارها الواسع، رغم حدوث هذا في مناطق الاتحاديين، وخاصة في إقليم سراي. يقول سماحة المفتي في معرض ذكره لما فعله الاتحاديون من تهجيرهم للأقليات المخالفة لهم، وإشارته للفارق الأخلاقي بينها وبينهم في المعاملة: “..وكانت الرابطة تعامل جميع الأقليات الموجودة في مناطقها أحسن معاملة طبقا لمبادئ حقوق الإنسان.”

____________________________________________
[1] جمعية “محبر أندنت:

  • منظمة سرية، لا يعرف عنها إلا القليل. أنشئت بغرض القيام بأعمال إرهابية ضد المناوئين للاتحاد مع أثيوبيا.
  • أنشئت في عام 1945م، في أسمرة في لقاء حضره عشرة أشخاص، أغلبهم من حي “أبا شاول” بأسمرة
  • ترأس المنظمة “هيلى أبرها” -أول رئيس لها-، ومن رموزها “هابتوم أرأيا”، “جبرى سلاسى جارزا”، وغيرهم.
  • تشير مصادر الإدارة البريطانية أنها كانت امتداد لحزب الاتحاد مع أثيوبيا، وعملت تحت توجيه الكولونيل “نقا هيلا سلاسي”، ضابط الاتصال الإثيوبي في أسمرة في الفترة ما بين 1946-1951م.
  • كان من ضحاياها الكثير من الاستقلاليين، ومن أبرزهم عبد القادر كبيري. وكانت هذه المنظمة وراء محاولة اغتيال “ولد أب ولد ماريام” الفاشلة.
  • صدر قرار بحل المنظمة ومصادرة ممتلكاتها من قبل إلإدارة البريطانية بعد استفحال أعمالها الإرهابية، وذلك في يوم 7جمادى الثانية 1368 هجرية الموافق 6 أبريل 1949م. ورغم حلها رسميا، فإنها لم نتقطع عن ممارسة الإرهاب والقتل.
  • لم يكن العنف والإرهاب محصورا في هذه الجمعية، فقد كانت هناك مجموعات فوضوية متفرقة عرفت ب”الشفتا” تمارس القتل والسطو -والعصر البريطاني كان عصر الفوضى الأمنية- ولكن “الأندنت” كانت تختلف عن الشفتا في كونها جمعية منظمة تسعى إلى تحقيق أهدافها السياسية عبر وسائل الإرهاب والعنف. ولا يستبعد أن يكون لبعض مجموعات “الشفتا” ارتباط بجهات سياسية.
    (نقلا عن بعض كتابات المفتي، وكتاب: لن نفترق، للكاتب: ألم سقد.)

[2] كانت مدينة أسمرة تقسم في العصر الإيطالي إلى الحي الأوروبي، والحي الوطني. وكان الحي الوطني مقسم إلى قسمين. القسم الأول ويشمل أحياء : “أبا شاول”، و”عداقة عربي” ، و”حديش عدي”، و”كرشيلو”، وكان يرأسه “دجيازماش بيني براخي.” والقسم الثاني ويشمل أحياء : “قزا برهانوا” و”قزابندا” و”أكريا” و”السوق الأوسط”، ويرأسه الحاج حسن علي. تم إلغاء هذا التقسيم فيما بعد، ووضعت أحياء أسمرة كلها تحت إدارة واحدة (نقلا عن كتابات المفتي).

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *