زيارة تدلا بيروا (أول رئيس للحكومة الأرترية) للمفتي وما دار بينهما
عقدت الجمعية التمثيلية الأرترية اجتماعها لانتخاب رئيس للسلطة التنفيذية في 7 ذي الحجة 1371هـ، الموافق 28 أغسطس 1952م، وتم ترشيح ثلاثة أشخاص لرئاسة السلطة التنفيذية وهم: تدلا بيروا، صالح حنيت، دجيات أبرها تسما. تم استبعاد صالح حنيت بحجة عدم بلوغه السن المشروطة في الدستور، فطلب بعض النواب إعطائهم مهلة لاختيار بديل له، وتم التصويت على هذا الطلب، ولكن أغلبية النواب صوتوا ضده، فبقي التنافس بين تدلا بيروا ودجيات أبرها تسما. حاز تدلا بيروا على أغلبية الأصوات، وبذلك أصبح أول رئيس للسلطة التنفيذية في الحكومة الأرترية.
فور انتخابه رئيسا للسلطة التنفيذية، أرسل تدلا بيروا[1] إلى منزل سماحة المفتي الحاج عبد الله محمد قنافر والشيخ سليمان الدين[2] لإبلاغه بعزمه على زيارة سماحته، فوصل إلى دار سماحة المفتي في الساعة الرابعة مساءا راكبا سيارة يرفرف عليها العلم الأثيوبي، ومعه حوالي 50 شخصا من الاتحاديين. رحب سماحة المفتي بالرئيس، ودار الحديث بينهما، وكان مما قاله تدلا بيروا لسماحته: “إني نجحت في الانتخابات، وجئت إليكم لتباركوني، وعلى الأخص أنكم الرجل الوحيد الذي بقي على الحياد من الخوض في الأمور السياسية.”
فأجابه سماحته: “أشكرك على مجيئك إلى هنا، وأهنئك بالرئاسة، وأتمنى لك النجاح، وأوصيك بالمحافظة على حقوق أرتريا، وعلى توحيد صفوف أبنائها، والعدل بينهم”.
وكانت زيارة الرئيس لسماحته ضمن زياراته لرجال الدين، حيث زار أولا الأبون مرقص الأرثوذكسي، وقسيس الكاثوليك الحبشي، يعقوب، ثم سماحة المفتي، ثم قسيس البروتستانت[3]، وفي النهاية الضابط الإثيوبي.
وقد رأى سماحته رد هذه الزيارة فأرسل رسالة إلى الرئيس يبلغه بعزمه على زيارته؛ فاتجه إلى داره ومعه وفد من أعيان المسلمين ولكنهم لم يجدوه، فتركوا له رسالة تهنئة ثم انصرفوا. وبعد أيام استلم سماحته خطابا من رئيس السلطة التنفيذية يعتذر فيها عن غيابه أثناء زيارة المفتي له.
[1] تدلا بيروا:
- ولد في عام 1914م، في إقليم الحماسين.
- درس في المدارس التبشيرية البروتستانتية السويدية.
- سافر إلى إيطاليا للدراسة فيها، وتخرج عام 1933.
- عمل مدرسا في المدارس الإيطالية في أسمرة، ثم عمل مع الإدارة البريطانية.
- صار رئيسا لحزب الانضمام إلى إثيوبيا في عام 1947م.
- تولى رئاسة أول حكومة إرترية عام 1952، واضطر للاستقالة في عام 1955.
- عين سفيرا لإثيوبيا في السويد، وفي عام 1967 التحق بجبهة التحرير الإرترية، وتوفي في السويد عام 1984.
- للمزيد، انظر:
Killion Tom, Historical Dictionary of Eritrea, The Scarecrow Press, Inc, 1998, p. 393-394.
[2] الشيخ سليمان الدين أحمد بن سليمان (نقل باختصار من كتابات سماحة المفتي):
- ولد في عام 1333هـ (1915م)، وقرأ القرآن في خلوة والده، في أراضي قبيلته فقيه حرك.
- سافر إلى السودان قبل البلوغ، ومكث يتلقى العلم في أم درمان لبعض الوقت، ثم رحل إلى مصر وانتسب في الأزهر الشريف.
- نال الشهادة العالمية من الأزهر في عام 1352هـ، ورجع إلى أرتريا في عام 1363هـ، الموافق 1944م، بطلب من سماحة المفتي والباشا صالح كيكيا ليتولى مشيخة المعهد الديني في مدرسة حرقيقوا. يقول سماحة المفتي منوها بدوره كشيخ للمعهد: “فقام بواجباته خير قيام، وقد فرح به المسلمون، وأثنوا عليه كثيرا لاجتهاده في إرشادهم.”
- انتسب في حزب الاتحاد مع أثيوبيا، وترك مشيخة المعهد، وصار مديرا لجريدة أثيوبيا وكاتبا لكثير من مقالاتها العربية. وكان ضمن وفد حزب الانضمام الذي سافر إلى أمريكا في عام 1949م، لعرض وجهة نظر الحزب في مستقبل أرتريا.
- في عام 1952، عينه إمبراطور أثيوبيا قاضيا في المحكمة العليا الفيدرالية بأسمرة، وفي عام 1965م عين عضوا في لجنة مراجعة الأحكام النهائية التابعة لمحكمة العرش، كما كان فيها رئيسا للقسم الشرعي فيها.
- أدرك الشيخ سليمان عصر حكومة منجستوا، وتوفي في مدينة أسمرة في أواخر السبعينيات، ودفن في مقبرة حزحز بأسمرة.
[3] المذهب البروتستنتي في أرتريا (نقل باختصار من كتابات المفتي):
- دخلت الإرساليات البروتستانتية إلى أرتريا في العهد التركي، حيث اتخذت مقرا لها في “أم كلو”، ومكثت فيه مدة 80 عاما، ولكنها لم تحقق انتشار كبيرا.
- انتقلت الإرسالية إلى منطقة قبيلة “منسع” في نواحي كرن، ومنطقة “صعزقة” بمديرية حماسين. استطاعت الإرسالية استقطاب بعض المسلمين في مناطق منسع، ولكن أكثرهم عاد إلى الإسلام فيما بعد.
- حققت الإرسالية انتشارا أكبر في أوساط الأرثوذكس، ومع تنامي عددهم أصبح القس “قبر سلاسى هبتو” أول رئيس ديني لهم.
- ركزت الإرسالية على الجانب التعليمي، وكان تعليمها “أقوى من تعليم الإرساليات الكاثوليكية، وقد تخرج من مدارسها التبشيرية أفواج من المثقفين الأرتريين. وقد ركزت الإرسالية أيضا على وضع حروف للهجات المحلية – كما حاولت مع لغة الكوناما في بارنتو، ولغة الساهو وغيرهما.
- مع تنامي أعداد البروتستانت وتصاعد التوتر بينهم وبين الكاثوليك – مذهب الحكومة الإيطالية – بدأت الحكومة الإيطالية في عام 1935 باضطهادهم، وقامت بإغلاق منشآتهم ومؤسساتهم في أرتريا، ولكن هذه المحنة لم تدم طويلا حيث ابتسم لهم الحظ مع قدوم الإدارة البريطانية، التي كانت على المذهب البروتستنتي.
- فتح البريطانيون أبواب الوظائف الحكومية للأرتريين المتخرجين من المدارس البروتستانتية، وأسندوا إليهم أهم الوظائف، حيث كانوا يتقنون اللغة الإنجليزية في “وقت كان من يعرفها في غاية الندرة.”
- وحين تم تكوين الحكومة الأرترية أصبح رئيس الحكومة – تدلا بيروا – وكبار المسؤولين فيها من أتباع المذهب البروتستانتي. ولذلك علا شأن المذهب في حكومة تدلا بيروا، وتم توسيع وبناء كنائسها تحت إشراف الرئيس، وأصبح الاحتفال بمناسباتها أكثر فخامة وأبهة.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!