رواق الزيالعة والجبرتي بالأزهر الشريف
انتسب سماحة المفتي فور وصوله إلى مصر والتحاقه بالأزهر برواق الجبرتي وأقام فيه في أيامه الدراسيه ، وكان ينسب إليه ويلقب “بالجبرتي”. وشيخ الرواق أثناء وصول سماحة المفتي إلى مصر كان الشيخ محمد النور بكري من أهالي تيجراي. وكان طلبة الأزهر يعيشون على وقف الجبرتي ، وعلى المساعدات التي كانت تقدمها لهم الحكومة الإيطالية حيث كانت تصرف على طلاب الأزهر من أرتريا وتوفر لهم بعض حاجياتهم ، ولكنها في مقابل ذلك كانت تفرض عليهم العزلة و تحذرهم تحذيرا شديدا من حضور مجالس وحفلات الجمعيات ، وبالأخص “جمعية الشبان المسلمين” و”الإخوان المسلمين” ، وتمنعهم من مطالعة الصحف والجرائد. وكانت ترصد الطلبة رصدا شديدا عبر جواسيسها ، وقد كان سماحته يحضر في بعض أنشطة هذه الجمعيات ، ومنها أحاديث الثلاثاء للأستاذ حسن البنا (إبن أحد مشايخه) ، ثم انقطع عنها نتيجة لمضايقات ومتابعات الحكومة الإيطالية.
ورغم أن وضع الرواق لم يكن ملائما وقد أصيب سماحته بالمرض نتيجة لإقامته فيه ، فإنه وفاءا لهذا المكان ووفاءا للأزهر الذي تعلق به تعلقا كبيرا صنف كتابه “جلاء النظر بأخبار رواق الزيالعة ثم الجبرتي بالأزهر”. وفيه ذكر مسائل شتى مما له تعلق بالأزهر وبالرواق وطلبته. وفيما يلي شذرات مما كتبه سماحته في أكثر من موضع من كتاباته فيما يتعلق بأوقاف ورواق الجبرتي.
تعريف الرواق:
الرواق في اللغة له معاني عديدة ، منها الشقة الأرضية من البيت ، والمراد به هنا هو المسكن المعد لسكن طلاب العلم بالأزهر ، ويذكر المؤرخون أن أول من جعل لطلاب الأزهر رواقا يسكنون فيه الخليفة العزيز بالله نزار ابن المعز لدين الله الفاطمي بعد عام 378هـ.
والرواق كان يسمى نسبة إلى الجنس أو البلد أو الإقليم ، كرواق الأكراد و البغاددة والمكيين والصعايدة وغيرهم. والرواق المخصص لمسلمي الحبشة قد سمي باسم مدينتين من مدنها وهما “زيلع” و”جبرتة”.
رواق الزيالعة
وزيلع ميناء مشهور على ساحل البحر الأحمر تسكنها القبائل الصومالية. ورواق الزيالعة يعتبر من أقدم الأروقة ، ومما يدل على ذلك ما ذكره الرحالة ابن بطوطة في رحلته المسماة تحفة النظار في غرائب الأمصار عند الكلام على جامع دمشق ما نصه: “وفي شرق المسجد مقصورة كبيرة فيها صهريج ماء لطائفة زيالعة السودان” ، وما ذكره المستشرق الإيطالي كونتي روسي من أن الدولة الفاطمية لما بنت الأزهر نقلت أسماء الأروقة من الجامع الأموي بدمشق. وقد اشتهر عدد من العلماء بالنسبة إلى زيلع ، منهم:
– أبي العباس أحمد ابن عمر الزيلعي الملقب بسلطان العارفين صاحب كتاب ثمرة الحقيقة ومرشد السالكين إلى أوضح الطريق ، المتوفي في عام 704هـ
– الإمام الحجة الفقيه الأصولي الجدلي صاحب التصحيح والترجيح أبو محمد فخر الدين عثمان ابن علي ابن محجن البارعي الزيلعي الحنفي مؤلف كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق في 6 مجلدات ، توفي عام 713هـ.
– الإمام الحافظ جمال الدين عبدالله ابن يوسف ابن محمد ابن أيوب ابن موسى الزيلعي الحنفي ، قرين الحافظ العراقي ، مؤلف نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية في أربع مجلدات وتخريج أحاديث تفسير الكشاف للزمخشري ومختصر معاني الأثار للطحاوي ، المتوفي سنة 762هـ. وهو تلميذ الإمام فخرالدين الزيلعي المتقدم ذكره.
رواق الجبرتي:
وجبرتة نسبة إلى “جبرة” ، مدينة إسلامية في منطقة “إيفات” وقديما كانت داخلة في حدود أراضي زيلع ، كما ذكر ذلك القلقشندي في صبح الأعشى وأحمد الحفني القناوي في الجواهر الحسان والمقريزي في الإلمام. وقد غير إسم الرواق من رواق الزيالعة إلى رواق الجبرتة في في أيام عائلة عبد الرحمن الجبرتي. وقد اشتهر عدد من العلماء بالنسبة إلى جبرته ، ومنهم:
– الشيخ عبدالوهاب الذي يقول عنه المقري : “قابلت في المدينة أعجوبة الدنيا أبا محمد عبدالوهاب الجبرتي”.
– الإمام العلامة مفتي المسلمين بمصر الشيخ حسن ابن علي ابن محمد ابن عبد الرحمن مؤلف الحواشي على الأشباه والنظائر والحواشي على الغرر والدرر .. ورسالة في البسملة المتوفي سنة 1069هـ
– العلامة الرحالة مفتي مصر الشيخ حسن ابن إبراهيم ابن حسن ابن علي المتوفي سنة 1188هـ. وهو حفيد العلامة الشيخ حسن ابن علي المتقدم ذكره.
– العلامة المؤرخ والفقيه البارع عبد الرحمن بن حسن المتوفي سنة 1237 هـ مؤلف كتاب عجائب الأثار وغيرها من الكتب ، وهو ابن العلامة الشيخ حسن إبراهيم المتقدم ذكره.
وقد بقي رواق الجبرتي تحت إشراف عائلة عبدالرحمن الجبرتي من القرن العاشر إلى القرن الثالث عشر ( 4 قرون) ، وكان لبعض أفرادها شهرة علمية وجاه عظيم ، ولكن تبدل الحال بهذه الأسرة بعد مقتل المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي على يد حاكم مصر في ذلك الوقت بسبب ما كتبه المذكور من الوقائع التاريخية. وقد بقي الرواق خاليا قرابة نصف قرن أو يزيد ، حيث هجره الطلاب من جراء الفزع الذي لحقهم من قتل شيخهم ، والإضطهاد الواقع على البقية الباقية من تلك العائلة.
المستحقون لوقف الجبرتي:
وكانت بجانب رواق الجبرتي بالأزهر والأوقاف المخصصة لطلبتة ، أربطة وأوقاف أخرى في مكة والمدينة ودمشق. وقد ضاعت هذه الأوقاف نتيجة للإهمال والتلاعب والنزاع بين المستحقين للوقف. وكان أحد أسباب الخلاف هو في من يستحق الإنتساب إلى الرواق ، ومن يستحق الإنتفاع من ريع الوقف. ومنشأ الإختلاف هو فيمن يطلق عليه لفظ الجبرتي ، ففي عرف أرتريا والحبشة يطلق لفظ الجبرتي على طائفة مخصوصة ، وفي عرف مصر والسودان والحجاز يطلق على كل مسلم من بلاد الحبشة وأرتريا. وقد رفع هذا الأمر إلى الجهات الرسمية عدة مرات ، وطلبت بعض الجهات من دار الإفتاء الأرترية توضيح هذا اللبس. وقد أصدرت المحكمة الشرعية بالمدينة المنورة حكما في هذا الخصوص بتاريخ 10 من ذي القعدة 1314هـ ، وحددت فيه من يطلق عليهم الجبرتي ، وحكمت بعدم دخول المنتسبين إلى إقليم “جما” و”وراقي” في أثيوبيا في تعريف الجبرتي ، وأنه لا حق لهما في محصول وقف الجبرتي.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!