خطاب المفتي في الدفاع عن قاضي مدينة عدي وقري
كان سماحة المفتي يتلقى بين الحين والأخر تعليمات من المسؤوليين بعزل بعض القضاة و تحويل أخرين منهم إلى مدن أخرى. وكان وراء هذه المطالب أصحاب المال والنفوذ ممن لهم خلافات شخصية مع القاضي من نظار القبائل ، وكبار التجار ، ومسؤولي المناطق. وكان سماحته يرفض إتخاذ أي إجراء ضد أحد من القضاة بدون تحقيق ، ويصر على المسؤولين أن يقدموا أدلة واضحة تدين القاضي وتجعله غير كفء لمنصبه. وهذه رسالة تتعلق بقاضي مدينة عدي وقري* وفيها رفض المفتي عزل القاضي من منصبه.
خطاب رقم 4978
إلى جناب مستشار القضائي
الموضوع : قاضي عدي وقري
بالإشارة إلى جوابكم رقم 266 عدي وقري بتاريخ 1948م في شأن الموضوع المذكور أعلاه أفيدكم ما يأتي:
1- المذكور بالنسبة لأبناء منطقته عموما لا يوجد من هو أحسن منه ، وأكثر إحتراما عندهم – على حسب علمي – وله كفاءة لا بأس بها في العلوم الشرعية ، والخطوط العربية ، والنظم القضائية الحديثة ، وإني راض عنه أكثر من سلفه ..وهو محترم عند المسلمين هناك أكثر ممن سبقه من القضاة في سراي لما فيه من الصفات الحميدة ، ولكون والده القاضي داود** من أشهر علماء وأعيان تلك المنطقة …
2- ما بلغكم من عدم لياقته لمركزه ، من المظنون عندي أن يكون ذلك ناشئا عن إتهامات أعدائه في حادثة وكالة “عدي خوالة” التي شرحتها لكم في ضمن شكوى القاضي في جواب رقم 4958 بتاريخ 2 محرم 1368هـ الموافق 3 نوفمبر 1948م ، وغرماؤه في “عدي خوالة” هم من كبار تجارها ، وأصحاب النفوذ الكبير فيها .. وقد بلغ إلى علمي أنهم استخدموا كل نفوذهم ضد القاضي سعيا للإنتقام منه ، ولهذا أعتقد أن إدعاء عدم لياقة القاضي لمركزه ما هي إلا وليدة هذه الحادثة بدليل أنها ظهرت عقبها …. فلهذه الأسباب لا أستطيع مع الأسف الموافقة بالإستغناء عن القاضي المذكور ، بل إننا في غاية الإحتياج إليه لعدم وجود مثله أو أحسن منه في منطقته في الظرف الحاضر ، فبقاؤه فيه مصلحة لمسلميها ودفع للمضرة عنهم. وقد دخل بداية في القضاء إستجابة لرجائي ورجاء أعيان المسلمين مع كراهيته لها ، وعملا بالشرع الإسلامي الذي يحتم على المسلم الذي له كفاءة أن يقبل القضاء عند فقدان من يصلح لها.
وإني لا أخفي عليكم أسفي من الإجراءت التي تتخذ ضد القضاة الشرعيين بمجرد شكوى واحدة من تاجر ، أو ناظر ، وبدون براهين مقنعة تستدعي إتخاذ إجراءات قانونية ضدهم.
حرر في 7 محرم 1368هـ الموافق 8 نوفمبر1948م
_______________________________________________
* “عدي وقري” تعرف أيضا ب”مندفرة”.
** القاضي داود بن أحمد بن وهبي الجبرتي الحنفي ، ولد في عام 1292هـ في بلدة “أديابو” على الحدود ألأرترية.
قرأ القرآن في بلده ثم سافر لطلب العلم ، وتفقه في الجامع الأزهر الشريف ، ثم رجع إلى موطنه وصار قاضيا شرعيا لمدينة كرن ثم أستعفي عن مهمة القضاء في مدينة كرن ورجع إلى سراي وسكن في موضع يقال له “دمبلاس” حيث أصبح قاضيا شرعيا لأهل تلك الجهة إلى أن توفاه الله في 1327هـ. يقول سماحة المفتي عنه “وكان مشهورا بالعلم والورع”.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!