حكم التشاؤم من شهر صفر وأربعائه الأخير
(كان التشاؤم من شهر صفر من الأمور الشائعة والمنتشرة في إرتريا، فكتب سماحته هذا البيان التوضيحي في الجريدة اليومية).
______________
قال تعالى: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ)[1] وفي الحديث الصحيح مرفوعا: (سبعون ألفا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب، قيل من هم يا رسول الله؟ قال: الذين لا يكتوون ولا يتطيرون).
1- تشاؤم العامة من الشهر المذكور وأربعائه الأخير دون بقية الشهور أصله من ناحيتين:
الأولى: التشاؤم من الشهر نفسه وذلك لأنه كان مفتاحا للحروب والكوارث التي كانت تأتي على الأخضر واليابس في أيام الجاهلية بعد أن كانوا في الأشهر الحرم الأربعة في أمن وسلام وطمأنينة حيث كانت الحروب محظورة فيها.
الثانية: التشاؤم من يوم الأربعاء الأخير وسببه ما جاء في بعض الأخبار المكذوبة بأن هلاك قوم عاد بالريح وثمود بالصيحة وفرعون وقومه بالغرق كان في يوم الأربعاء الأخير من صفر، وأيد ذلك ما ذكرته بعض الكتب الجامعة لما هب ودب بأن الله تعالى ينزل في كل سنة 320 ألفا من البلايا وكل ذلك ينزل في يوم الأربعاء الأخير من شهر صفر، ثم تذكر صلوات ودعوات وآيات قرآنية تكتب في الصحن الصيني وتمحى بماء الورد وفاعله يكون ناجيا من بلاء ذلك اليوم.
2- مما تقدم نشأ توجه العامة إلى ذلك في الحاضرة والبادية فكثر الإقبال عليه وعلى الأخص من قراء الخلاوي القرآنية وخدمة المساجد والزواوي لغرض التوصل إلى العون المادي وهذا التشاؤم والخوف منه قد حاربه الدين الإسلامي من بدء ظهوره قولا وعملا. فقد سافر فيه الرسول بالهجرة والغزوة وزوج فيه بنته فاطمة لعلي بن أبي طالب ولم يأتي في الشرع الإسلامي أي زمن خصه الله بنزول البلايا فيه فالأيام كلها مخلوقة لله وقد قيل: “لا تعادوا الأيام فتعاديكم”، وما وقع فيها من خير وشر فمن قضاء الله وتقديره. يقول الله جل وعلا: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ)[2]، (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[3]. وعلم الغيب لا يكون لغير الله، قال جل شأنه: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)،[4] (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا)[5]، (لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ)[6]، (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ)[7].
3- والخلاصة أن التمسك بمثل هذا التشاؤم يعد إحياء لسنن الجاهلية الأولى وتسويل شيطاني من الخرافات الوبيلة وابتعاد عن السنن الإسلامية. وترك التشاؤم عموما نعمة ربانية وراحة بدنية وإيمان وثقة بالتقديرات الإلهية. فسافروا وابنوا وتزوجوا في أي زمن شئتم لأن ذلك من سنن الإسلام، وعلى الأخص أعلنوها واعملوها في شهر صفر لتكونوا أسوة لغيركم ولتدخلوا في ثواب من حارب البدعة وأحيا السنة. والأمور المخالفة للشرع إذا ترك التعرض لها فبعد ذهاب العلماء تصبح شريعة للأجيال المقبلة كما أن سكوت العلماء عنها يقوي الادعاء بأنها من المشروعات الصحيحة في مستقبل الأيام…
وختاما نسأل الله الهداية والتوفيق إلى سبيل الحق والسداد.
المصدر: جريدة الوحدة، 20 صفر 1386هـ، 9 يونيو 1966.
[1] سورة يونس، آية 107.
[2] سورة الأنفال، آية 17.
[3] سورة التوبة، آية 51.
[4] سورة النمل، آية 65.
[5] سورة الجن، آية 26.
[6] سورة سبأ، آية 14.
[7] سورة الأعراف، آية 188.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!