مقالات: حديث رمضان في الزكاة المالية

جريدة الزمان

بقلم: سماحة مفتي أرتريا الشيخ إبراهيم المختار أحمد عمر

الأربعاء 15 مارس 1961م

 

آية الزكاة وحديثها

قال الله تعالى: “خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.”[1] وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذ بن جبل إلى اليمن، فقال: “إنك تأتي قوما أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله عز وجل افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله عز وجل قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فتوضع في فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله عز وجل حجاب”. رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي.

 تعريف الزكاة

الزكاة لغة: التطهير والنماء. قال تعالى: “قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا”[2]، وقال جل شأنه: “خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا.”[3] وشرعا: تمليك مال مخصوص لمستحقه بشرائط مخصوصة .وفرضت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة النبوية وهي من الشرائع القديمة، وإن اختلفت كيفيتها بين التشريع القديم والجديد، بدليل قوله تعالى حكاية عن سيدنا عيسى: “وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ.”[4] وذكر البعض أنها كانت على التشريع القديم ربع المال.

 شروط وجوب الزكاة

وتجب الزكاة من مال المكلف بشروط منها: الإسلام، والحرية، وملك النصاب ملكا تاما، وحولان الحول في غير الزروع والثمار. واختلف الفقهاء في وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون في غير الزروع والثمار، فذهبت الحنفية إلى عدم وجوب الزكاة في مالهما، واحتجوا لذلك بأدلة منها حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: “رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل.” رواه النسائي والترمذي والحاكم في المستدرك. ومنها أن الزكاة تطلب لتكون طهارة لصاحبها من الإثم بدليل قوله تعالى: “خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ.”[5] وهما لا ذنب لهما حتى تطهرهما الزكاة، واستثنوا من ذلك الزروع والثمار فأوجبوا الزكاة فيهما، وعلى ولي أمرهما إخراج ذلك.

وذهبت المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى وجوب الزكاة في مالهما واحتجوا لذلك بوجوه منها: حديث الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: “من ولي يتيما له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكلها الصدقة.”[6] كما استدلوا بوجوه أخرى، وأدلة الطرفين ذكرناها مفصلة في مثل هذه المناسبة في هذه الجريدة.

أموال وجبت فيها الزكاة على الخصوص

وزكاة الأموال جاءت في لسان الشرع بالتخصيص والتعميم. أما التخصيص فهو في الأنعام (الإبل، والبقر، والغنم)، والنقدين الذهب والفضة، والزروع والثمار، والمعدن والركاز. وأما التعميم ففي عروض التجارة.

زكاة الأنعام:

أ- زكاة الإبل ونصابه: أما نصاب الإبل فيبتدئ من خمسة رؤوس، فإذا ملكها الإنسان تحت حوزته مدة حول يجب عليه أن يخرج منها شاة واحدة زكاة لها، وهكذا من كل خمس شاة حتى تبلغ 25 رأسا، فبعد ذلك تزكى من جنسها ولها درجات عديدة مختلفة موضحة في كتب الفقه.

ب- زكاة البقر ونصابه: أما نصاب البقر فله درجات، كل 30 رأسا يجب إخراج تبيع أو تبيعة (ماله تمام سنة)، وفي كل 40 مسن أو مسنة (ما كمل سنتين).

ج- نصاب الغنم وزكاته: أما نصاب الغنم فله أربع درجات، ففي 40 منها تجب شاة واحدة، وتستمر إلى أن تبلغ 120 فإذا بلغت 121 تجب فيها شاتان، وتستمر إلى أن تبلغ 200 فإذا بلغت 201 فيها ثلاث شياه، وتستمر هذه الثلاثة إلى أن تبلغ 400 رأس فبعد ذلك يخرج من كل 100 شاة مهما بلغت.

زكاة الذهب والفضة:

أما نصاب الذهب فعشرون مثقالا، وقدروه باثنا عشر جنيها مصريا إلا ثمنا، ونصاب الفضة مائتا درهم وقدروا ذلك بالريال المصري وبالريال (أبوطيرة) 22 ريال وربع ريال عند من لا يعتبر الغش القليل كالحنفية أو المالكية أو 26 ريالا ونصف عند من يعتبره كالشافعية والحنابلة. فإذا ملك الإنسان المبالغ المذكرة ومكثت تحت يده حولا كاملا زائدا عن حوائجه الأصلية وجب عليه إخراج ربع عشرها.

أ- زكاة حلي النساء: واختلفوا في زكاة حلي النساء من النقدين، فعند الحنفية تجب فيها الزكاة مطلقا سواء كانت للنساء أو للرجال تبرا كان أو سبيكة، آنية أو غيرهما، ويعتبر في زكاته الوزن لا القيمة. وعند الأئمة الثلاثة لا زكاة في حلي النساء المباحة على شروط مفصلة في كتبهم، وعند الشافعية إذا كانت الحلية زائدة عن المعتاد وجبت فيها الزكاة كخلخال المرأة إذا بلغ 200 مثقال.

ب- زكاة الأواني الذهبية والفضية: والأواني الذهبية والفضية كالمردود، والمكحلة، والكأس، والصحن ونحوها فاتخاذها حرام، وتجب فيها الزكاة إتفاقا.

ج- زكاة أوراق البنكنوت: وأما أوراق البنكنوت الحديثة على ما اختاره فقهاء المذاهب الثلاثة تكون من قبيل سندات الدين الموجود على ملئ فتجب فيها الزكاة بهذا الإعتبار، خلافا للحنابلة فإنهم لا يرون الزكاة فيها قبل صرفها ذهبا أو فضة بالفعل مع تحقق شروط الزكاة .

زكاة الديون عند المذاهب:

وإذا كان لمسلم دين ثابت يبلغ نصابا وحال عليه الحول واستكمل شروط الزكاة فاتفقوا على أنه لا يجب على المالك إخراج زكاته قبل قبضه ممن كان في ذمته، كما اتفقوا على أن من له مال آخر من جنس الدين فإنه يجب عليه أن يضم ما قبضه ويزكي تبعا بدون احتياج إلى حولان الحول، وإن لم يكن له مال يضم إليه وكان نصابا فاختلفوا في كيفية زكاته.

أ- زكاة الدين عند الحنفية: فعند الحنفية ينقسم الدين إلى ثلاثة أقسام: قوي، ومتوسط، وضعيف. فالقوي مثل القرض وبدل التجارة إن كان على معترف به ولو مفلسا وتم نصابا وحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة سواء كان حولانه قبل قبض الدين أو بعده، ولكن لا يجب عليه أداء الزكاة إلا إذا قبض منه مقدار خمس نصاب على الأقل والزائد على الخمس إن بلغ خمسا آخر وجبت فيه الزكاة وإلا فلا. ويخرج من كل خمس بحسابه، فعلى هذا لو قبض أربعين درهما وجب عليه درهم ولو قبض 120 درهما وجب عليه ثلاثة دراهم وهكذا. والدين المتوسط هو ما ليس دين تجارة كثمن دار السكن .. وثمن ثياب المحتاج إليها.. ونحو ذلك، فإن تم نصابا وحال عليه الحول وجبت فيها الزكاة، ويتراخى وجوب الأداء إلى أن يقبض مائتي درهم فإذا قبضها أدى عنها خمسة دراهم ولا يشترط حولان الحول. والضعيف هو ما كان في مقابل شئ غير مالي كدين المهر، والخلع والوصية، فلا تجب عليه الزكاة إلا إذا قبض نصابا كاملا وحال عليه الحول من يوم قبضه، فما يقبض منه فهو بمنزلة مال جديد يدخل في ملك الشخص.

ب- زكاة الدين عند المالكية: وعند المالكية إذا كان الدين دين إرث أو هبة أو صدقة أو مهر أو خلع أو جناية فإن هذا الدين لا تجب فيه الزكاة إلا أن يقبضه ويحول عليه الحول من يوم قبضه…، وإن كان دين قرض وقبضه ذهبا أو فضة وكان نصابا فيجب عليه زكاة عام واحد ولو بقي أعواما كثيرة عند المدين لأنه كان في ابتداء الحول في يده فوجب ألا تسقط الزكاة عن حول واحد، وإذا أخره قصدا فرارا من الزكاة فإنه تجب فيه زكاته في كل الأعوام التي قصد تأخيره فيها .

ج- زكاة الدين عند الشافعية: وعند الشافعية الدين إن كان ماشية أو مطعوما كالتمر والعنب فلا تجب الزكاة فيها، وإن كان دراهم أو دنانير أو عروض تجارة وقبضه فحينئذ يجب عليه إخراج زكاة الأعوام الماضية وهذا مذهبه الجديد الأصح، وفي مذهبه القديم لا تجب الزكاة في الدين بحال لأنه غير معين. وفي كتاب المحلى لابن حزم: “قالت طائفة إن كان الدين على ثقة زكاة، وإن كان على غير ثقة فلا زكاة عليه حتى يقبضه وهو قول الشافعي.”[7]

د- زكاة الدين عند الحنابلة: وعند الحنابلة ينقسم الدين على قسمين: الأول الدين الثابت على معترف به، فإذا قبضه يجب عليه إخراج زكاة السنين الماضية، وعزاه صاحب المغني الحنبلي إلى كثير من العلماء. والثاني هو الدين الموجود على المماطل والمعسر والمجحود الذي لا بينة عليه والمغصوب والضال، ففي هذا روايتان عندهم: (الأولى) لا تجب الزكاة فيه لأنه مال ممنوع منه غير قادر على الإنتفاع به، فأشبه الدين على المكاتب ( والثانية) يزكيه إذا قبضه لما مضى. وزكاة الدين لها تشعب في كتب المذاهب، وهذه نبذة صغيرة لخصناها لتكون عونا للمسلم العامل.

زكاة الأموال المستفادة في أثناء الحول

وإذا كان للمسلم نصاب في ملكه واستفاد مالا في أثناء الحول، ففيه التفصيل الآتي:

(الأول) إن كان المال المستفاد من غير جنسه فلا يضم إلى النصاب الأصلي بالإتفاق، بل ينتظر تمام حوله.

(الثاني ) إن كان المستفاد من ربح النصاب أو من نمائه يضم إليه ويزكى بتمام الحول الأصلي بالإتفاق.

(الثالث) إن كان المستفاد من جنسه ولم يكن من ربحه ولا من نمائه، فيضم ويزكى بتمام الحول الأصلي عند أبي حنيفة ومالك، خلافا للشافعية والحنابلة فإنه لا يضم ولا يزكى حتى يتم حوله مستقلا.

زكاة الزروع والثمار:

تجب الزكاة في قليل ما أخرجته الأرض وكثيره عند الحنفية، والواجب عنده العشر إن سقي بماء السماء، ونصف العشر إن سقي بالساقية ونحوها. وعند الأئمة الثلاثة يشترط النصاب وهو خمسة أوسق …على سبيل التقريب.

زكاة المعدن والركاز:

وأما المعدن والركاز فهما كل مال وجد تحت الأرض سواء كان معدنا خلقيا خلقه الله تعالى فيه، بدون أن يضعه فيه أحد، أو كان كنزا دفنه الكفار. واختلفوا في القدر المخرج منه، فبعضهم قال يخرج منه ربع العشر وبعضهم قال يخرج منه الخمس.

زكاة العسل

واختلف العلماء في زكاة العسل على ثلاثة أقوال:

(القول الأول) لا زكاة فيه أصلا، لانه مائع خارج من الحيوان وهو أشبه باللبن، وبه قال مالك والشافعي ويروي ذلك عن جماعة آخرين.

(والقول الثاني) يجب إخراج العشر منه إن وجد نصاب منه وهو عشرة أفراق، والفرق ستون رطلا، فيكون النصاب ستمائة رطل على هذا القول، وهومنقول عن الإمام أحمد وأبي يوسف ومحمد بن الحسن.

(والقول الثالث) على التفصيل إن كان النحل في أرض العشر ففيه الزكاة، وإن كان في غيرها فلا زكاة فيه وبه قال الإمام أبو حنيفة، والواجب عنده العشر قل أو كثر.

أموال وجبت فيها الزكاة على العموم

وأما التعميم، ففي عروض التجارة وهو موضوع واسع يحوي كثيرا من صنوف الأموال. وتجب الزكاة فيه عموما إن وجدت نية التجارة فيها، وذلك أن الشرع الاسلامي أوجب الزكاة على الخصوص في الأصناف الخمسة المتقدمة آنفا ولم يوجب الزكاة في غيرها من الأموال على الخصوص مثل العقارات، والجواهر، واللؤلؤ، والصدف، والياقوت، والمرجان والمسك،… والحديد، والنحاس، والرصاص، والسفن، والسيارات، والبغال، والحمير والدجاج … ، والسكر، واللبن، والثياب، والجلود ، والخشب، والماء ونحوه. لكن الشارع جعل لهذه الأموال وجهة تجب فيها الزكاة جميعا، وهى وجهة عروض التجارة. فالمسلم إذا اشترى منها شيئا بنية التجارة تجب الزكاة في قيمتها كزكاة النقدين، أي ربع العشر، على شروط مفصلة في كتب المذاهب. والنقود التي جرى بها التعامل من غير النقدين حكمها حكم العروض. والأصل في وجوب الزكاة فيها ما رواه أبو داود عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “في البُّر صدقة.” وابتداء حوله من وقت شرائه بنية التجارة.

زكاة البيوت والسيارات والفنادق

ومن هذا يتضح حكم ما كثر السؤال عنه في أيامنا هذه عن زكاة البيوت، والقصور، والسيارات، والطائرات، والفنادق، والأندية التي إتخذها أربابها لتأجيرها إلى من يطلبها، وحكمها على التفصيل الآتي:

أولا: إن اتخذها الإنسان للانتفاع بمحصولها لمصاريف نفسه ومصاريف من تلزمه نفقته أو للقنية فحينئذ لا تجب فيها الزكاة، حيث تعد من حوائجه الأصلية، والزكاة إنما تجب في الزائد منها ولعدم نية التجارة فيها.

ثانيا: إن اتخذها لنية التجارة في محصولاتها فتجب الزكاة في المحصولات على حسب زكاة العروض، قال السرخسي في مبسوطه: والأصح أن أجرة دار التجارة أو عبد التجارة بمنزلة ثمن متاع التجارة كلما قبض منها أربعين تلزمه الزكاة اعتبارا لبدل المنفعة ببدل العين.”[8] ولا تجب الزكاة في عينها ولا في قيمتها لأنها بمثابة أدوات المهنة وهي لا زكاة فيها.

ثالثا: إن اتخذها للتجارة لبيعها بالربح فيجب الزكاة في قيمتها كسائر العروض، قال السرخسي في مبسوطه: “وإن اشترى دارا للتجارة فحال عليها الحول زكاها من قيمتها لأن ما تعلق برقبة الدار حق آخر لله تعالى وهى وسائر العروض سواء.”[9] وإن باعها ووجد من قيمتها نصابا وحال عليها الحول فتجب الزكاة فيها كالنقدين.

رابعا: إن اشتراها مترددا بين بيعها بالربح وبين الاحتفاظ بها للإيجار أو للتجارة فينظر إن وجد محصولا قبل بيعها زكيت زكاة النقدين ولا زكاة في عينها لكون بدل المنفعة كافيا عن بدل العين، فإذا بيعت يزكى من ثمنها كما تقدم.

الزكاة في مال الخلطة

وفي غير الانعام لا تجب الزكاة في مال الخلطة، إلا إذا كان ما يخص كل واحد من الخليطيين أو الخلطاء نصابا كاملا عند جمهور العلماء، خلافا لقول الشافعي كما سنذكره واختلفوا في شركة الأنعام ومنشأ الاختلاف حديثان:

( الحديث الأول) هو ما رواه أنس بن مالك أن أبا بكر كتب لهم أن هذه فرائض الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمرالله بها ورسوله، ثم قال في آخره: “لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية.” رواه أحمد والنسائي وأبو داود والبخاري.

(والثاني) هو ما أخرجه الدارقطني في سننه عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفرق، والخليطان ما اجتمع على الحوض والراعي والفحل.”

أ – زكاة خلطة الأنعام عند الشافعية والحنابلة: والخلطة على نوعين: “خلطة أعيان”، وهى أن تكون الماشية مشتركة بينهما لكل واحد منهما نصيب مشاع، مثل أن يرثا نصابا أو يشترياه أو يوهباه فيبقياه على حاله. و”خلطة أوصاف”، وهى أن يكون مال كل واحد منهما مميزا، فخلطاه واشتركا في الأوصاف ..، فعند الشافعية والحنابلة الخلطة لها أثر، فإن اختلطت ماشية شخصين أو أكثر من أهل الزكاة وبلغ المجموع نصابا وحال عليه الحول في الاختلاط واشتركت في المرعى، والمبيت، والمحلب، والمشرب، والفحل، والرعي فإن الزكاة واجبة؛ وإن كان ما يملك كل واحد منهما أقل من النصاب كأن يكون لواحد عشرون شاة ولآخر عشرون فخلطا وجبت فيها شاة ولو إنفرد كل واحد لم تجب.

ب – لا زكاة في مال الخلطة عند الحنفية: وعند الحنفية، والقول القديم للشافعي، وسفيان الثوري، وشريك بن عبد الله، والحسن بن حي، لا أثر للخلطة في وجوب الزكاة ولا يتغير شيء بعد وجودها مما كان ثابتا عند عدمها، ورجحه أبو محمد بن حزم في كتابه المحلى وانتصر له.

ج – زكاة خلطة الأنعام عند المالكية: وعند المالكية، والأوزاعي، وأبي ثور، وأبي عبيدة، فيها التفصيل إن كان ما يملك كل واحد يبلغ نصابا واتحدوا في المنافع المتقدمة فإن الخلطة لها أثر في التخفيف كثلاثة أنفار لكل واحد منهم أربعون شاة فعليهم شاة واحدة على كل ثلثها، فالخلطة هنا أثرت في التخفيف ولو كانوا متفرقين لكان على كل واحد شاة.

د – زكاة الخلطة في غير الأنعام عند الشافعية: وفي زكاة أموال الخلطة لغير المواشي خلاف على قولين عند الشافعي. القول القديم لا أثر للخلطة في ذلك كما تقدم، والقول الجديد لها أثر إن تحقق الاتحاد في المرافق. قال تقي الدين الحصني الشافعي في كفاية الأخبار: “واعلم أن الخلطة تؤثر في المواشي بلا خلاف وهل يؤثر في الثمار والزروع والنقدين وأموال التجارة فيه قولان اصحهما نعم لأن الارتفاق الحاصل في الماشية يحصل أيضا في هذه الأنواع … فيشترط في المعشرات اتحاد الناطور والأكار وهو الفلاح والعمال والملقح واللقاط والنهر والجرين وهو البيدر وفي غير ذلك اتحاد الحانوت والحارس والميزان والوزان والناقد والمنادي والمتقاضي. قال البندنيجي والجمال قال النووي في شرح المهذب وإن كان في الدراهم ولكل واحد كيس فيتحدا في الصندوق وفي أمتعة التجارة بأن يكونا في مخزن واحد ولم يميز أحدهما عن الآخر في شيء مما سبق وحينئذ تثبت الخلطة.”[10] قال أبو محمد بن حزم في كتابه المحلى بعد أن ذكر مذهب الشافعي ومن معه في خلطة المواشي ما نصه: “حتى أن الشافعي رأى حكم الخلطة جاريا كذلك في الثمار، والزرع، والدراهم، والدنانير – فرأى في جماعة بينهم خمسة أوسق فقط أن الزكاة فيها، وأن جماعة يملكون مائتي درهم فقط أو عشرين دينارا فقط – وهم خلطاء فيها – أن الزكاة واجبة في ذلك، ولو أنهم ألف أو أكثر أو أقل.”[11]

تعجيل الزكاة

أ – عند الحنفية والشافعية وأحمد: اتفقوا على عدم جواز تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب لعدم تحقق سببها، واختلفوا في تعجيلها قبل حولان الحول على النصاب فذهب إلى جواز ذلك أبو حنيفة والشافعي وأحمد وآخرون لما أخرجه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن عباس بن عبد المطلب أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له.

ب – تعجيل الزكاة عند المالكية: وروى ابن وهب عن مالك لا يجوز تعجيلها قبل حولان الحول وتبعه أبو محمد بن حزم في كتابه المحلى حيث قال: “ولا يجوز تعجيل الزكاة قبل تمام الحول ولا بطرفة عين فإن فعل لم يجزه وعليه إعادتها.”[12] وروى ابن القاسم عن مالك أنه يجوز تعجيلها بشهرين أو أكثر.

وقت إخراج الزكاة شرعا

ويختلف وقت وجوب الزكاة من الأنواع المتقدمة، أما في الزروع والثمار والمعدن والركاز فوقته يوم وجوده لا غير. وأما في الأنعام والنقدين، وعروض التجارة فوقتها بعد حولان الحول، وهو على قسمين: حول شرعي، وحول عادي.

أ – الحول الشرعي: أما الحول الشرعي فهو أن تمكث الأنصبة المذكورة في ملكه حولا كاملا فاضلا عن حوائجه الأصلية فحينئذ يجب إخراج زكاتها في أي شهر يكون نهاية السنة للنصاب.

ب – الحول العادي: وأما الحول العادي فيختلف باختلاف عادات البلاد، فبعضهم يخرجها في شهر محرم لكونه أول السنة الهجرية، وفي سنن البيهقي عن السائب بن يزيد أنه سمع عثمان بن عفان خطيبا على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول – في محرم -: “هذا شهر زكاتكم فمن كان منكم عليه دين فليقض دينه حتى تخلص أموالكم فتؤدوا عنها الزكاة.”[13] وبعضهم يخرجها في شهر رجب لما روى الإمام مالك في موطئه عن عثمان أنه خطب في الناس على المنبر، وقال: “هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤد دينه وليزك ما بقى.”[14]

ج – رمضان وقت الزكاة في أرتريا: واعتاد مسلموا أرتريا إخراجها في شهر رمضان لفضله وفضل الصدقة فيه لحديث الترمذي، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل، قال: “صدقة في رمضان”، ولحديث البخاري أنه صلى الله عليه وسلم كان أجود ما يكون في رمضان.

مصارف الزكاة:

وتجب المبادرة بإخراج الزكاة، وهى تصرف في الأصناف الثمانية المذكورين في قوله تعالى: “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.”[15] وفي زماننا هذا لا يوجد العاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، والرقاب، فيكون المستحقون باقي الخمسة فتصرف الزكاة إليهم.

أ- نقل الزكاة من بلدها: واختلف الفقهاء في نقل الزكاة من بلدها إلى آخر، فعند الشافعية لا يجوز النقل ولو كان موضعا قريبا متى وجد مستحق لها، وعند غيرهم يجوز إن كان هناك قوم أشد حاجة من الموجودين في بلد الوجوب على تفصيل في كتب فروعهم.

ب- صرف الزكاة في جميع أنواع القربى: والشرع خصص إعطاء الزكاة من وجوه، وعممه في وجه منها في مصرف في “سبيل الله”. فبعض العلماء خصص هذا المصرف بالغزاة، وبمريدي الحاج، وطالبي العلم؛ والبعض عممه وفسره بجميع أنواع القربى. ولذا نقل القفال الشافعي عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا صرف الزكاة إلى جميع وجوه الخير: من تكفين الموتى، وبناء الحصون، وعمارة المسجد لأن ذلك كله في سبيل الله.

ج- الجهات الفاضلة في صرف الزكاة: ويصح دفع نصاب فأكثر لفقير واحد إذا كان ذا عيال أو دين ….، والأفضل صرفها للعالم الفقير، والغريب، والمديون، وعلى جهات يعم نفعها. ويجوز دفع الزكاة لبني هاشم إذا لم يكن لهم سهم من ذوي القربى عند الإمام مالك، والطحاوي من الحنفية، والأصطخري من الشافعية.

د- المذاهب في دفع أحدى الزوجين زكاته للأخر: ولا يجوز للزوج أن يدفع زكاته لزوجته لأن نفقتها واجبة عليه .. وأما دفع الزوجة زكاتها لزوجها فقد اختلف الفقهاء في ذلك. فعند الحنفية والحنابلة لا يجوز الدفع لاشتراكهما في المصالح، وعند الشافعية يجوز لكونه داخلا في عموم أصناف المسلمين .. ، وليس في المنع نص ولا إجماع. وعند المالكية إن أعطى أحد الزوجين للأخر ما يقضي به دينه جاز لأن منفعة ذلك لا تعود للمعطي ولهم في ذلك تفصيل في مذهبهم.

 حبس الزكاة هلاك للأموال

فعلى من تجب عليهم الزكاة المبادرة بإخراجها وتطهير أموالهم وأنفسهم عنها، فإن من يحبس الزكاة في الأموال كمن يحبس الفئران في مخازن الحبوب فإنها تهلكها وتقضي عليها شيئا فشيئا. أخرج الطبراني في معجمه الأوسط عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعا: ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة. وأخرج البيهقي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: ما خلطت الزكاة مالا إلا أهلكته. وفي كتاب الله ما يكفي من الوعيد الشديد لمانعي الزكاة والكانزين للذهب والفضة.

نسألك اللهم أن تجعل دنيانا مطية لآخرتنا، وأن تجعل أموالنا حجة لنا لا علينا، وأن توفقنا لأن نكون من عبادك الشاكرين لنعمك، والمنقادين لأمرك إنك جواد كريم.


[1] سورة التوبة، آية 103.

[2] سورة الشمس، آية 9.

[3] سورة التوبة، آية 103.

[4] سورة مريم، آية 31.

[5] سورة التوبة، آية 103.

[6] رواه الترمذي والدارقطني.

[7] ابن حزم، المحلى، تحقيق: د. عبد الغفار سليمان البنداري، دار الفكر – بيروت، 1984م، ج 4، ص 222.

[8] السرخسي، المبسوط، مطبعة السعادة -مصر، ج 2، ص 196.

[9] المصدر السابق، ص 207.

[10]أبو بكر تقي الدين الحصني، كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار، المحقق: علي عبد الحميد بلطجي ومحمد وهبي سليمان، دار الخير – دمشق -، ص 179.

[11] ابن حزم، المحلى، التحقيق: د. عبد الغفار سليمان البنداري، دار الفكر – بيروت، 1984م، ج 4، ص 154.

[12] المصدر السابق، ج 4، ص 211.

[13] هذا نص ماورد في البيهقي ولم يحدد فيه الشهر: “عن الزهري، قال: أخبرني السائب بن يزيد أنه سمع عثمان بن عفان رضي الله عنه خطيبا على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “هذا شهر زكاتكم” ولم يسم لي السائب الشهر ولم أسأله عنه قال: فقال عثمان: ” فمن كان منكم عليه دين فليقض دينه حتى تخلص أموالكم فتؤدوا منها الزكاة.” انظر: البيهقي، السنن الكبرى، الطبعة الثالثة، دار الكتب العلمية – بيروت -، ج 4، ص 249. و”قال أبو عبيد: وقد جاءنا في بعض الأثر ولا أدري عن من هو أن هذا الشهر الذي أراده عثمان هو المحرم.” انظر: أبو عُبيد القاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي، كتاب الأموال، المحقق: خليل محمد هراس، دار الفكر – بيروت –  ص 534. المحرر.

[14] يقول ابن رجب الحنبلي: “وأما الزكاة: فقد اعتاد أهل هذه البلاد إخراج الزكاة في شهر رجب، ولا أصل لذلك في السنة، ولا عرف عن أحد من السلف. ولكن روي عن عثمان أنه خطب الناس على المنبر، فقال: إن هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤد دينه وليزك ما بقي. خرجه مالك في الموطأ. وقد قيل: إن ذلك الشهر الذي كانوا يخرجون فيه زكاتهم نسي ولم يعرف. وقيل: بل كان شهر المحرم؛ لأنه رأس الحول. وقد ذكر الفقهاء من أصحابنا وغيرهم أن الإمام يبعث سعاته لأخذ الزكاة في المحرم. وقيل: بل كان شهر رمضان؛ لفضله وفضل الصدقة فيه.” انظر: ابن رجب، لطائف المعارف، المحقق: ياسين محمد السواس، دار ابن كثير، دمشق – بيروت -، الطبعة الخامسة، ص 231. المحرر.

[15] سورة التوبة، آية 60.

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *