حادثة إسلام فتاة يمنية يهودية بأسمرة

  • أسلمت فتاة يهودية من أصل يمني تبلغ من العمر 20 عامًا في شهر صفر 1365 هجرية الموافق يناير 1946م. وقد تم إسلامها باختيارها، حيث جاءت إلى المحكمة الشرعية بأسمرة بصحبة أحد المسلمين وطلبت من قاضي أسمرة تسجيل إسلامها، وقالت إنها راغبة في الإسلام بدون أن يكون هناك مؤثر آخر غير الاقتناع الحر، وذكرت للقاضي أنها غير متزوجة.
  • وكان من المألوف عند المحكمة الشرعية بأسمرة أن يأتي بين الحين والآخر من يرغبون في الدخول في الإسلام ومن يطلبون تسجيل ذلك لدى المحكمة الشرعية. ولذلك كانت تتم الإجراءات المعتادة ويمر الحدث دون أي إثارة. ولكن إسلام هذه الفتاة كان عكس كل الحالات السابقة، وذلك نتيجة لتدخل السلطة عبر مستشارها القضائي البريطاني، الذي كان يهوديا، ومحاولته إجبار الفتاة على العودة إلى دينها السابق. فتحول هذا الحدث من حالة فردية إلى حدث ذو أبعاد خطيرة كاد يشعل فتيل فتنة عارمة في المدينة.
  • تتابعت الأحداث بعد إسلام الفتاة، حيث جاء في اليوم التالي رجل يهودي إلى قاضي أسمرة مطالبًا منه أن يطلعه على محضر إسلام الفتاة مدعيًا أنه زوجها، فأجابه القاضي إلى ذلك. وبعدها ذهب الرجل اليهودي إلى رئيس الجالية اليهودية في أسمرة وحكى له قصته، فرفع رئيس الجالية الشكوى إلى المستشار القضائي البريطاني، فقام المستشار باستدعاء سماحة المفتي إلى مكتبه ليطلب موافقته على الإجراءات التي كان عازمًا على اتخاذها.
  • وصل سماحة المفتي إلى مكتب المستشار القضائي في الساعة الثالثة من مساء يوم الخميس 13 صفر 1365 هجرية، الموافق 17 يناير 1946م، ولم يكن على علم بالموضوع الذي استدعي من أجله ولا بقصة الفتاة التي أسلمت. دخل سماحته إلى مكتب المستشار ووجد عنده مجلسًا مكونًا من المستشار ونائبه، ومحافظ أسمرة والحماسين، وسكرتير الشؤون السياسية، وحكمدار البوليس، ومنصور رئيس الجالية اليهودية ونائبه. بدأ المستشار القضائي حديثه بالترحيب بسماحة المفتي، والتنويه بالعلاقة الطيبة بين المسلمين واليهود وما بينهما من الروابط، ثم سرد لسماحته قصة الفتاة قائلًا: إن بنتًا صغيرة يهودية قد بدلت دينها لتتخلص من زوجها، وتتزوج بشخص آخر مسلم، وإن إسلامها غير حقيقي بل هو إسلام لغرض، والحكومة عازمة على أن تقبض عليها، وتضعها تحت عهدة شخص موثوق ثم تقوم بتسفيرها إلى اليمن، بلدها الأصلي، لتحاكم هناك على حسب الطقوس اليهودية. واستطرد المستشار قائلًا: إن هذا هو ما يقتضيه قانون الحكومة الإيطالية المعمول به الآن في إريتريا، ثم سأل سماحة المفتي قائلًا: هل توافق على الإجراءات المذكورة أم لا؟ فأجابه سماحته بأنه لم يكن على علم بإسلام الفتاة ولا بحيثيات وتفاصيل الموضوع، ثم بيّن له ما هو مقرر في أحكام الشريعة الإسلامية: إنه من دخل في الإسلام وهو بالغ راشد يقبل منه ذلك ولا يرد إلى أهل ملته التي خرج عنها. وبناءً على ذلك، فإن سماحته باعتباره المرجع الشرعي للأحكام الشريعة، لا يمكن له الموافقة على هذه الإجراءات المذكورة.
  • فرد المستشار على سماحته متجاهلاً ما ذكره من الرأي الشرعي وبلهجة متحدية قائلاً: “إنني سأصدر الأمر طبقًا لما ذكرت لك!” فقال له سماحته: “أنت مخير أن تفعل ما تشاء حسب قانونك، وأنا حسب قانون ديني لا يمكن أن أوافقك.” فقال المستشار مهددًا: “إذا حصلت حوادث بسبب الإجراءات المتخذة فإن المسؤولية تقع عليك حيث امتنعت الموافقة على رأي الحكومة!” فقال سماحته: “إن الذي يتحمل المسؤولية منا هو من يخالف القانون.” ثم ختم المستشار حديثه قائلاً: “إني أريد منك أن تنصح المسلمين بعدم القيام بأي حركة معارضة إن جاء البوليس للقبض على الفتاة.” فقال سماحته: “إننا لا نطلب الحق بالعنف وإنما عبر الوسائل القانونية.” ثم تفرقوا على هذا القدر.
  • بعد ذلك كتب المستشار القضائي الإنجليزي كتابًا إلى سماحة المفتي يفيده فيه بأنه أصدر قرارًا بالقبض على الفتاة التي أسلمت، وأخذها من يد المسلمين عنوة وتسفيرها إلى اليمن لتحاكم لدى الحاخامية هناك، وأرسل صورة من الجواب إلى كل من سكرتير الشؤون العمومية، وحكمدار البوليس، ومحافظ أسمرة والحماسين، ورئيس الجالية اليهودية، وذكر في جوابه أن الفتاة قاصرة غير بالغة وأن قراره مبني على القانون الإيطالي الذي كان لا يزال معمولًا به في إرتريا، وذكر مادة من هذا القانون. فكتب سماحته خطابًا ردًا على المستشار القضائي محتجًا على قراره مبينًا مخالفة قراره للقانون المعمول به في البلد وعدم تعلق المادة التي استشهد بها بالموضوع، وأرسل صورة من خطابه إلى كل من أرسل المستشار إليهم صورة من جوابه. وفي نفس الوقت قام سماحته بنصح المسلمين بعدم القيام بأي حركة معادية ضد قوات الحكومة المرسلة للقبض على الفتاة.
  • جاءت القوة الحكومية بناءً على قرار المستشار مع دباباتها ومدافعها الرشاشة، تحسبًا لردود فعل المسلمين، فقَبضوا على الشابة ووضعوها في ملجأ للأطفال تحت رعاية امرأة من الراهبات. وقد هاج المسلمون هياجًا شديدًا لهذا الأمر، فدعا سماحته، كما كانت عادته في ملمات الأمور، أعيان المسلمين في العاصمة لاجتماع طارئ في مكتبة المعهد بأسمرة لتدارس الأمر وإيجاد الحل.
  • بينما كان سماحته والأعيان في الاجتماع، تجمع جمهور كبير من عامة المسلمين يقارب حوالي ألفين شخص حول الجامع والطرق المؤدية إليه، فجاء البوليس بجميع كتائبه وقام بتحويط مساكن أبناء الجالية اليهودية، وصار يراقب من بعيد تحركات الجمهور المتجمع حول الجامع.
  • فلما علم سماحته بالأمر، خرج مسرعًا وخطب في الجمهور المتجمع ونصحهم بالتزام الهدوء والسكينة، وحذرهم من ارتكاب أي أمر يخل بالأمن العام، وطلب منهم أن يطلبوا حقهم بالطرق القانونية المشروعة، فقبلوا نصيحته وانصرفوا في الحال.
  • بعد قليل، أدركت الإدارة البريطانية خطورة المأزق الذي أقحمها فيه المستشار القضائي فأصدرت أمرًا بإلغاء قرار المستشار وإطلاق سراح الشابة المسلمة وتركها على خيارها، فعادت إلى المسلمين وانتهى النزاع على ذلك.
0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *