بناء جامع الخلفاء الراشدين بمدينة أسمرة
(نقل بتصرف من كتابات وتقارير سماحة المفتي.)
نبذة عن مدينة أسمرة، عاصمة أرتريا:
مدينة أسمرة كانت في الأزمنة الماضية قرية بسيطة، بيوتها من الحشيش، وتسكنها 4 سلالات. وفي عام 1300هـ الموافق 1883م، احتلها “رأس ألولا” عامل الملك “يوهنس” ملك التيجراي بجيش يبلغ تعداده عشرة الآف جندي، وظل حاكما عليها إلى أن غادرها في عام 1304هـ الموافق 1888م، متوجها مع رئيسه الملك “يوهنس” لمحاربة جيوش الدراويش في معركة “متما” المشهورة التي قتل فيها الملك وهزم فيها جيشه هزيمة نكراء. بعد ذلك احتلها الإيطاليون في يوم 8 محرم 1307هـ الموافق 8 أغسطس 1889م. وبعد الاحتلال الإيطالي ازدهرت أسمرة ازدهارا كبيرا وأصبحت في جمالها وعمرانها “تضاهي أعظم مدن الأمم المتحضرة”، وأصبحت في عام 1897م عاصمة القطر، بدلا من مصوع. وقد قال فيها الشاعر محمد فاضل التقلاوي قصيدة، ومنها الأبيات التالية:
على قمة العلياء تزهو وتخــــــلب ** وفـوق تليد المـجد شماء ترهـب
عروس الربى مجلوة تعشق العـلا ** فيهفـو لـها قلبي مليـا ويطـرب
منمقة حسنـاء تبـدو كأنهــــــــــــا ** على الفلك العلياء في الأرض كوكب
حبتها يـد الـزمان للفـن تحـفــــــة ** وصورها عـات خـبير مجــرب
جامع الخلفاء الراشدين:
جامع الخلفاء الراشدين هو أكبر وأهم الجوامع في أرتريا، ومعلم من أبرز معالم العاصمة أسمرة، ومصدر من أهم مصادر الإشعاع الإسلامي في المجتمع الأرتري المسلم. يتسع جامع الخلفاء مع أجنحته لعشرة آلاف مصل، ويتصل به من جانبيه مبنى المكتبة الإسلامية، ومبنى مدرسة المعهد الديني الإسلامي، وساحة فسيحة يصلى فيها حين يمتلئ المسجد. والجامع يعتبر محور النشاط الإسلامي في المدينة، ففيه تقام المناسبات الإسلامية، وفيه تلقى الدروس العلمية، وإليه يتجه زوار المدينة من الرسميين وغير الرسميين. ونظرا للمكانة الكبيرة التي يحتلها هذا الجامع، فقد حرص سماحة المفتي على تدوين وتوثيق كل ما يتعلق بهذا الجامع وملحقاته، وأفرده بكتاب خاص سماه “القنبرة في تاريخ المركز الإسلامي في أسمرة”. ولسماحته أبيات في الإشادة بهذا الجامع، ومنها بيت يقول فيه:
إن تفخر أرتريا بما في طيها ** فجامع أسمرة يكفيها فخرا
وفيما يلي مقتطفات مما يتعلق بهذا الجامع نقلا عن تقارير المفتي عن الأوقاف الإسلامية، وعن الكتاب المذكور أعلاه.
بناء جامع الخلفاء الراشدين:
بنى جامع الخلفاء الراشدين، وهو أول جامع في العاصمة أسمرة، في عام 1319هـ الموافق 1900م، في أيام لجنته الأولى برئاسة الكوليري أحمد أفندي الغول ( المصري الأصل وكبير التجار)،[1] وقد قام ببنائه المعلم “عامر الجداوي”، من مواليد مصوع على أرض منحتها الحكومة بناء على طلب لجنة مشروع الجامع. وقد عارض رواد كنيسة “القديسة مريم” المجاورة بناء الجامع، ورفعوا عريضة إلى الحاكم الإيطالي، ولكنه لم يلتفت إلى تلك المعارضة، ولم يكتفي بالموافقة على بناء الجامع بل ساهمت حكومته بمبلغ 300 فرنك إيطالي لبناءه. وقد استغرق بناء الجامع العام تقريبا، وفور إتمام بناءه أقيمت فيه صلاة الجمعة والصلوات الخمسة. وقد رمم المسجد في عام 1917م الموافق 1337هـ، في أيام لجنته الثانية التي كان في مقدمتها المسلمانين محمد فرج لما، وأبرها تسفاي.
البناء الثاني للجامع
وفي عام 1355هـ الموافق 1936م عزمت الحكومة الإيطالية،[2] على تجديد الجامع على الصفة التي تليق به، وذلك بمبادرة من محافظ العاصمة المستشرق الإيطالي الدكتور ليبلوا، الذي كان يحسن اللغة العربية وله معرفة تامة بالشؤون الإسلامية. وقد جمع المحافظ الأعيان والتجار بحضور زعيمة المسلمين في تلك الأيام الشريفة علوية الميرغنية، وطلب منهم تعيين لجنة لبنائه على الطراز الحديث، وقد قام هو مع الشريفة علوية بالإشراف المباشر على جمع التبرعات وإلزام الجميع بالتبرع، حتى جمعوا مبالغ كبيرة من المال، وعلى الفور تم إعادة بناء الجامع على الطراز المعماري الحديث، ثم بنوا أمامه ميدانا فسيحا للمناسبات والتجمعات الإسلامية، ووضعوا حوله السور. وهو على هذا البناء إلى عام 1388هـ الموافق 1968م. وقد تمت الزيادة في مساحة الجامع الأصلية والمباني التابعة له على مر السنيين عبر شراء مزيد من الأراضي المحيطة بالجامع، وعلى تلك الأراضي بني المعهد ومصالح المسجد المختلفة.
تصليحات جامع الخلفاء:
اهتم مسلموا العاصمة بالجامع اهتماما بالغا، ولم يبخل تجارهم على مر الأيام بالقيام بتصليح الجامع وصيانته ومد رقعته. وفيما يلي بعض من هذه الإصلاحات:
- في عام 1359 هـ الموافق 1940م، قام الكوليري حسن عبد الله بامشموش بتصليح الناحيتين الشرقية والغربية من الجامع وسد الفسحتين من جوانبها الأربعة.
- في عام 1362هـ الموافق 1943م، قام أنجال باحبيشي وباعقيل بتسقيف جناحي الجامع.
- في عام 1386هـ الموافق 1967م، قام الحاج سالم عبيد باحبيشي وشركاؤه عمر وأحمد ومحمد، وأنجال سعيد عبد الله العمودي، وساهم في ذلك أحمد عبد الله العاقل البيضاني اليماني، بتصليحات ضخمة شملت جميع أنحاء وجوانب الجامع.
أوقاف جامع الخلفاء:
جامع الخلفاء له أوقاف كثيرة من المباني والعقارات. وعلى مر الأيام كان أصحاب الأملاك يوقفون جزء من ممتلكاتهم لتغطية مصاريف المسجد، ودفع مرتبات عماله وموظفيه. وفيما يلي قائمة بالأوقاف التابعة للجامع إلى أواخر أيام سماحة المفتي:
عام الوقف | الواقف | الموقوف |
1343هـ /1924م | السيدة دوستة إبراهيم عبد النبي | غرفتان مع مصالحهما في سوق أسمرة |
1351هـ /1932م | الشيخ أبو بكر بن سالم باحمدون | غرفتان مع مصالحهما، وحوش واسع في سوق أسمرة |
1348هـ /1929م | من التبرع العام | غرفتان مع مصالحهما في سوق أسمرة |
1363هـ /1944م | الشيخ محمد بن الشيخ سالم باحمدون وولده سالم | غرفتان مع مصالحهما |
1361هـ /1942م | الحاج حسان عبد الله اليماني | غرفتان مع مصالحهما |
1369هـ /1950م | الحاج عبد الله إبراهيم عمر الدين | ثلاث أبواب في حي “غزا برهانو” وبابا رابعا دون مصالح. |
1353هـ /1934م | الحاج محمد عبده وإخوانه سعيد وحسين وعلي | بابان مع مصالحهم |
1353هـ /1934م | الحاج عبد الله محمد قنافر وأخيه عبد الملك | بابان |
1353هـ /1934م | عمر سالم باعقيل وأخيه سعيد | بابا مع مصالحه |
1373هـ /1954م | الشيخ أحمد دين سالم العي | عشرة غرف بالتناصف مع مدرسة المعهد |
1385هـ /1965م | محمد المعضي العمودي | دكانا في سوق أسمرة |
1385هـ / 1965م | سالم عبيد باحبيشي وعمر بن سعيد العمودي وإخوانه | قصرا بطابقين؛ ربع محصوله لجامع الخلفاء، وربعين لجامع عمر بن عبد العزيز، وربع لجامع عمر بن الخطاب. |
الحاج طه أدم | غرفة واحدة | |
الحاج إبراهيم محمد حسين | غرفة واحدة |
خطب ودروس جامع الخلفاء الراشدين:
منذ افتتاح الجامع تناوب على خطب الجمعة والعيدين قاضي حي “قزا بندا”، وحي “قزا برهانو”،[3] وبعد توحيد قضاء العاصمة استمرت الخطابة في يد قاضي أسمرة، وأصبح تقليدا متبعا أن يتولى قاضي العاصمة مهمة الخطابة في الجامع. وقد حاول سماحة المفتي تغيير هذا التقليد، وفك الارتباط بين وظيفة قضاء العاصمة وخطابة جامع الخلفاء، وذلك نظرا لكثرة شكاوى الناس من ضعف مستوى خطب بعض القضاة، وسعى إلى توليتها للأكفاء المقتدرين من علماء الأزهر، وقد سرى هذا التغيير لفترة محدودة من الزمن، ولكن تشبث بعض القضاة بالتمسك بحق الخطابة وإصرارهم الشديد عليه، حال دون إستمرار هذا التغيير. وكان من أشهر من تولى الإمامة والخطابة في الجامع من غير قضاة العاصمة من علماء الأزهر الشيخ محمد صالح الطروعاوي، والقاضي إدريس حسين. وكان الجامع أيام كثرة العلماء والدعاة يعج بالدروس العلمية، وخاصة في شهر رمضان. ونظرا لسعة المسجد وتعدد أجنحته فقد كانت تقام فيه عدة دروس متوازيات. وكان لسماحة المفتي درسان كل يوم في شهر رمضان، درس بعد صلاة العصر ودرس بعد صلاة التراويح، ودروس أخرى في بقية الشهور. وقد قلت دروس سماحة المفتي في السنوات الأخيرة نظرا لكثرة مشاغله، ولتوفر عدد كبير من علماء الأزهر الوطنيين.
_________________________________________
[1] بقية أعضاء اللجنة:
- أحمد محمد باشماخ
- القاضي حسن حقوص
- البصيري أدكو
- عبد الله ياسين
- سعيد شوم عبد الرحيم
- أزماش سراج أبو بكر
- الخليفة حسن بيان
- حاج عبد الواسع حقوس
- باشاي محمد درسي
- كنتيباي محمد صالح عبد القادر
- إبراهيم بشير
- فتوراري محمد
[2] أسباب دعم إيطاليا للمؤسسات الإسلامية:
أسست إيطاليا إمبراطوريتها في أفريقيا الشرقية ، فوجدت أن أكثر من ثلاثة أرباعها من المسلمين ، وكان يداعبها الأمل في توسيع استعمارها للبلاد العربية والإسلامية المجاورة ، ولذلك سعت سعيا حثيثا لتحسين سمعتها السيئة (بسبب جرائمها في التي ارتكبتها في ليبيا) وذلك عبر تسهيل وتوفير ما يحتاج إليه المسلمون ، وفيما يلي بعضا مما قامت به في أرتريا:
- المساهمة في بناء المساجد والجوامع وأهمها، جامع الخلفاء الراشدين.
- إيجاد منصب قاضي القضاة من الوطنيين.
- إرجاع منصب المفتي بعد أن كان معطلا مدة أربعين عاما.
- تأسيس محكمة أرتريا للاستئنافات الشرعية.
- تنظيم المحاكم الشرعية وإسناد ذلك إلى المفتي
- الاعتراف بالأوقاف الإسلامية وعمل قانون لها وقيام رئيس الحكومة بشؤونها.
- تأسيس الجمعية الخيرية الإسلامية لأسمرة ومصوع ووضع قانون رسمي لها.
- تدريس اللغة العربية بصفة إجبارية في جميع المناطق الإسلامية.
- فتح باب الهجرة لمسلمي الأقطار العربية المجاورة مع الحرية الكاملة لهم بالعمل بالتجارة وإحاطتهم بالاحترام.
[3] قبل توحيد قضاء مدينة أسمرة كان يوجد فيها ثلاث قضاة، قاضي حي “قزا برهانوا”، وقاضي حي “قزا بندا”، وقاضي حي السوق.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!