مقالات: الإسراء والمعراج

جريدة الزمان

السبت 7 يناير 1960م

بقلم سماحة مفتي أرتريا الشيخ إبراهيم المختار

“سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.”[1]

الآية المذكورة تشير بالإجمال إلى أن الله جل شأنه قد من على عبده محمد صلى الله عليه وسلم بالإسراء مبتدئا من المسجد الحرام ومنتهيا إلى المسجد الأقصى في أرض فلسطين، وما يأتي أدناه هو الموجز التفسيري لها.

 سبب نزول الآية ومعنى التسبيح وفضله:

سبب نزولها، كما قال ابن حبان، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الإسراء كذبوه، فأنزل الله هذه الآية.

(سبحان) اسم بمعنى التسبيح، الذي هو تنزيه الله تعالى عن كل نقص، واتصافه بكل كمال. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر.”

معنى الإسراء وتاريخها:

(الذي أسرى) معناه السير في الليل. والإسراء قد كانت قبل الهجرة النبوية بسنة، الموافق عام 621م.

(بعبده) المراد به بإجماع المسلمين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وهو دليل قاطع بأن الإسراء كان بالروح والجسد، لأن العبد اسم للجسد والروح، وقد جاءت عدة آيات قرآنية تؤيد ذلك.

حكمة الإسراء ليلا:

(ليلا) أي في بعض الليل، لأن التنكير يدل على معنى البعضية. وإنما كان الإسراء ليلا لأنه وقت الخلوة، ووقت الصلاة التي كانت مفروضة عليه في قوله تعالى: “قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا”[2] الآية. وقد أكرم الله نبيه ليلا بعدة أمور منها: الإسراء والمعراج، ونزول القرآن، وإيمان الجن به، كما في صحيح مسلم. كما أن الله أكرم أقواما في الليل بأنواع المكرمات، كقوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام: “فلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا.”[3] وفي لوط عليه السلام بقوله جل جلاله: “فأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ.”[4]

 المسجد الحرام وتاريخ بنائه :

(من المسجد) هو في الأصل اسم لمكان السجود الذي هو أشرف أفعال الصلاة لقرب العبد من ربه.

(الحرام) أي المحرم، وهو ضد الحلال، حيث أن المحرم للحج يمنع فيه مما يجوز لغيره العمل به. قال الماوردي: “كل موضع ذكر الله تعالى، فقال الله المسجد الحرام، فإنما أراد به الحرم إلا في قوله: “فول وجهك شطر المسجد الحرام”[5]، يريد به الكعبة.”[6] وهو أول مسجد بني في الأرض قاطبة، قال الله تعالى: “إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا.”[7] والذي قام عليه البرهان هو أن أول من بناه إبراهيم الخليل ونجله إسماعيل عليهما السلام، قال تعالى: “وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.”[8] وقد ذكر المؤرخون أن بنائهما كان قبل الهجرة النبوية ب 2793، كما ذكره أبو الفداء في كتابه: المختصر في أخبار البشر.[9]

 المسجد الأقصى وتاريخ بنائه:

(إلى المسجد الأقصى) أي إلى بعد، وهو صفة للمسجد. وسمي الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام، وهو ثاني مسجد وضع على الأرض. أخرج الشيخان في صحيحيهما عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قلت: “يا رسول الله، أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: ثم المسجد الأقصى. قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون.” وبيان ذلك أن إبراهيم عليه السلام بنى الكعبة أولا، ثم حفيده يعقوب بن إسحاق بنى بيت المقدس بعده بأربعين عاما، ثم جدده سليمان عليهما السلام قبل الهجرة النبوية بألف وثمانمائة وستين سنة (1860). وقال بعضهم إن أدم أول من بنى الكعبة، وأن غيره من ولده وضع بيت المقدس بعده بأربعين سنة، كما حكاه ابن الجوزي وغيره، و كما نقله القضاعي في عيون المعارف في تاريخ الخلائق، ونجم الدين القطبي في معراجه الكبير.

فضائل المسجد الأقصى:

(الذي باركنا حوله) البركة لغة: الزيادة والنماء، وعرفا: ثبوت الخير الرباني في الشيء. (حوله) أي الجهات المحيطة به. والمراد، بركات الدين والدنيا، لكونه موطن العبادات، ومهبط الوحي والملائكة، ومقر الأنبياء، ولكونه أيضا محفوفا بالأنهار والأشجار والثمار. أخرج النسائي وابن ماجه وغيرهما أن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل الله تعالى ثلاثا: سأله ملكا لا ينبغي لأحد بعده فأعطاه إياه، وسأله ملكا يواطئ حكمه فأعطاه، وسأله من أتى هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه أن يخرجه من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا أرجوا أن يكون قد أعطاني الثالثة.[10]

 الحكمة من سفر الإسراء:

(لنريه من آياتنا) أي لنطلعه على العجائب الكونية كما قال جل شأنه في حق إبراهيم عليه السلام: “وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.”[11] فالرسول صلى الله عليه وسلم قد شاهد في تلك السفرة أمورا متنوعة من خوارق العادات، والمشاهدات الغريبة، والتمثلات العجيبة، وقطع المسافات البعيدة – أرضية وسماوية – في ليلة واحدة، والاجتماع بالأنبياء السابقين، ومقابلة صفوة الرسل في كل سماء وسماع نصائحهم له.

(إنه هو السميع البصير) أي أن الله تعالى بأقواله سميع، وبصير بأحواله. هذا نهاية موجز تفسيرها .

وأما المعراج فقد ثبت أيضا بالقرآن الكريم، ونزل فيه أول سورة النجم إلى الآية السابعة عشر منها .

 مزايا شهر رجب:

شهر رجب هو ثاني شهر من الأشهر الحرم الأربعة المشار إليها في قوله تعالى: “مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ”[12]، وهى: محرم، ورجب، وذوالقعدة، وذو الحجة. وقد حدثت فيه عدة أمور مهمة من هجرة، وتشريع، وصيام، وصلاة، وإسراء، ومعراج.

أ- دخول الإسلام في شهر رجب:

أما الهجرة فإلى قطرنا هذا قبل سائر المعمورة سوى مكة المكرمة. وقد دخل الدين الإسلامي في شهر رجب سنة خمس من بعثة الرسول، وثمان قبل الهجرة النبوية الموافق 614م، حيث هبطت في التاريخ المذكور أول بعثة إسلامية مكونة من 15 نفرا من مكة المكرمة إلى جزيرة باضع – أي مصوع – برئاسة عثمان بن عفان الأموي الصحابي صهر رسول الله وخليفته الثالث. وبهذا صار قطرنا أول بقعة سطع عليها نور الإسلام بعد مكة المكرمة. وهذه المأثرة التاريخية الخالدة الفريدة بهذا القطر تعتبر مفخرة مجيدة يحتفل المسلمون بذكراها، علاوة على الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج.

ب – بدء التشريع في شهر رجب:

وأما التشريع ففي الليلة السابعة والعشرين منه –  على الأرجح – عام 621م[13]، حيث شرعت أول فريضة فرعية إسلامية على الإطلاق، وهى الصلوات الخمس وذلك في ليلة الإسراء والمعراج.

ج – الصيام في شهر رجب:

وأما الصيام فيه فقد وردت عدة أحاديث ما بين صحيح وضعيف ومكذوب، أفردها بمؤلف الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه: تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب. ومن أصحها، ما أخرجه النسائي من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما: قال قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من الشهر ما تصوم من شعبان، قال: “ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان.” فهذا إشعار بأن في رجب مشابهة لرمضان، وأن الناس يشتغلون فيه من العبادة ما يشتغلون به في رمضان، ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان، ولذلك كان يصومه الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي تخصيص ذلك بالصوم إشعار بفضل صيام رجب وإن ذلك من المعلوم المقرر لديهم، وهناك أحاديث آخرى صريحة في ندب الصيام وأكثرها ضعيف…


[1] سورة الإسراء، آية 1.

[2] سورة المزمل، آية 2.

[3] سورة الأنعام، آية 76.

[4] سورة الحجر، آية 65.

[5] سورة البقرة، آية 150.

[6] الماوردي، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني، تحقيق: الشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية – بيروت، 1999م ج 14، ص 335. المحرر.

[7] سورة آل عمران، آية 97.

[8] سورة البقرة، آية 127.

[9] أبو الفداء عماد الدين إسماعيل، المختصر في أخبار البشر، المطبعة الحسينية المصرية ، الطبعة الأولى، ج 1، ص 125.

[10] ورد الحديث بأكثر من لفظ، ومنها لفظ النسائي: “إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس ، سأل الله عز وجل خلالا ثلاثة : سأل الله حكما يصادف حكمه ، فأوتيه ، وسأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، فأوتيه ، وسأل الله حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه ، أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه ، أما اثنتان فقد أعطيهما ، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة.” المحرر.

[11] سورة الأنعام، آية 75.

[12] سورة التوبة، آية 36.

[13] قال أبو شهبة: “وقد اختلف في أي سنة كانا؟ وفي أي شهر؟ فذهب البعض إلى أنهما كانا قبل الهجرة بسنة، وإلى هذا ذهب الزهري وعروة بن الزبير وابن سعد، وادعى ابن حزم الإجماع على هذا، وقيل قبل الهجرة بسنتين، وقيل بثلاث. والذي عليه الأكثرون والمحققون من العلماء أنهما كانا في شهر ربيع الأول، وقيل في ربيع الاخر، وقيل في رجب، وهو المشهور بين الناس اليوم…” أبو شهبة، السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، دار القلم – دمشق، 1992، ج 1، ص 418. المحرر.

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *