حكم الصلاة على من قتل نفسه عمدا
(فتوى رقم 62):
السؤال: رجل قتل نفسه عمدا شنقا بحبل هل يغسل ويصلى عليه أم لا؟
الجواب: قتل النفس كبيرة من أعظم الكبائر بإجماع المسلمين، واتفق العلماء على وجوب غسله واختلفوا في الصلاة على قولين:
(القول الأول): يصلى عليه، وإليه ذهب أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، ومحمد بن الحسن، وجماهير العلماء، وصححه شمس الأئمة الحلواني، والزيلعي من الحنفية، وأبو محمد بن حزم واحتج لهم بوجوه:
- حديث أبي داود، وابن ماجة، والنسائي، والإمام أحمد عن زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “صلوا على صاحبكم.” ووجه الاستدلال به أن المؤمن صاحب لكل مؤمن، والقاتل مؤمن، والله تعالى يقول: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ”[1]، وقال تعالى: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ.”[2]
- لما أخرجه أبو عبدالله الحاكم في تاريخ نيسابور، والخطيب البغدادي في تاريخ مدينة السلام، في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الجرجاني، والدارقطني في سننه، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وعلى من قال لا إله إلا الله.” وضعفه الدارقطني، وبعد أن ذكر هذا الحديث ونحوه قال: “وليس فيه شيء يثبت.”[3]
- أنه فاسق غير ساع في الأرض بالفساد، وإن كان باغيا على نفسه كسائر فساق المسلمين، وأنه أكثر احتياجا إلى دعاء إخوانه المؤمنين من الفاضل المرحوم، وأجابوا عن حديث ترك النبي الصلاة على القاتل نفسه، بأنه فعل ذلك زجرا عن ارتكاب مثل عمله. قال: ابن سيرين: ” ما أعلم أن أحدا من أهل العلم من الصحابة، ولا التابعين ترك الصلاة على أحد من أهل القبلة تأثما.”[4]
(القول الثاني): لا يصلى عليه، وهو مذهب عمر بن عبد العزيز، والأوزاعي، وأبو يوسف، وصححه علي السفدي من الحنفية.
واحتج له بحديث أصحاب السنن الأربعة، والبيهقي، ومسلم، والإمام أحمد – واللفظ له -، عن سماك بن حرب أنه سمع جابر بن سمرة رضي الله عنه يقول: مات رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فقال: يا رسول الله مات فلان، قال: لم يمت، ثم أتاه الثانية ثم الثالثة فأخبره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم، كيف مات؟ قال: نحر نفسه بمشقص، قال: فلم يصلي عليه، وفي رواية قال: إذا لا أصلي عليه. ووجه الإستدلال به إنه لم يصل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يصل عليه غيره، وأيضا أنه باغ، والباغي لا يصلى عليه.
فإذا تقرر ما ذكرنا فالصلاة عليه مطلوبة عند جمهور العلماء كسائر المؤمنين، وينبغي أن يصلي عليه غير أهل الفضل، لامتناع الرسول عن الصلاة على العصاة، وأمر غيره بالصلاة عليهم للأحاديث الواردة، ومنها حديث جابر بن سمرة المتقدم، ومنها حديث الإمام أحمد عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعي لجنازة سأل عنها، فإن أثنى عليها خيرا قام فصلى عليها، وإن أثنى عليها غير ذلك قال لأهلها شأنكم بها ولم يصل عليها. ومنها حديث الإمام أحمد وغيره، عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رجلا من المسلمين توفي يوم خيبر، وأنه ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: صلوا على صاحبكم، قال: فتغير وجوه القوم لذلك، فلما رأى الذي بهم قال إن صاحبكم غل في سبيل الله، ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز اليهود، مايساوي درهمين. وعن الإمام مالك وغيره، أن الإمام يتجنب الصلاة على مقتول في حد، وأن أهل الفضل لا يصلون على الفساق زجرا لهم، عملا بالأحاديث المذكورة.
[1] سورة الحجرات، آية 10.
[2] سورة التوبة، آية 71.
[3] الدارقطني، سنن الدارقطني، مؤسسة الرسالة، بيروت – لبنان، 2004م، ج 2، ص 403.
[4] ابن أبي شيبة، المصنف في الأحاديث والآثار، مكتبة الرشد – الرياض، 1989م، ج 3، ص 34.

اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!