الحاج سليمان أحمد عمر، زعيم سياسي بارز
- ولد الحاج سليمان أحمد عمر كورى في حوالي سنة 1325هـ [1907م].
- ختم القرآن على والده، وقرأ عليه عدة كتب في الفقه الحنفي وعلوم اللغة العربية، كما قرأ على العالم العلامة الحاج صالح بن حامد الأبريعاوي، قاضي عدي قيح، ولازمه مدة طويلة، وأتقن عنده علم الفرائض، كما سمع عن كثير من العلماء الآخرين.
- تردد إلى أرض الحرمين عدة مرات في موسم الحج، وسمع هناك عن كثير من علماء الأقطار.
- اشتغل بالتجارة ونجح فيها، وكان له مقر في مصوع، وأسمرة، وعدي قيح.

انخراطه في العمل السياسي:
و في عام 1946م لما بدأت الجهود لإنشاء الرابطة الإسلامية، كان من أول دعاتها القائمين بجهد جهيد لإنجاحها ونشر فكرتها ومبادئها، وكان من أجل مؤسسيها، ومن واضعي مسودة ميثاقها. وقد استطاع أن يوظف علاقاته الواسعة، والثقة التامة التي كان يحظى بها بين القبائل، وخاصة جميع القبائل السيهاوية، نحو دفعها للالتفاف بالرابطة ومناصرتها. واستمر يعمل لتقوية الرابطة بنفسه وماله بدون ملل ولا سآمة.
وبعد صدور قرار الأمم المتحدة بتحديد مصير أرتريا، عكف على متابعة الشؤون السياسية، ومطالعة مختلف الصحف، وجمع جميع ما يصدر منها. وعكف كذلك على جمع الكتب السياسية، ومطالعة الدساتير المختلفة للأمم، ومراجعة قوانينها ولوائحها، بالإضافة إلى القوانين الدولية، وأحوال الحكومات وأنظمتها، وبرلماناتها وانتخاباتها، وكيفية تأسيس مجالسها النيابية ونحو ذلك. وقد اكتسب من خلال ذلك خبرة ودراية واسعة بالقضايا الدستورية والقانونية. وفي عام 1949م سافر إلى مقر الأمم المتحدة بأمريكا مع وفد الرابطة الإسلامية والكتلة الاستقلالية للدفاع عن مصير أرتريا.
وبعد صدور قرار هيئة الأمم المتحدة بإعطاء الحكم الذاتي لأرتريا، انعقد المجلس الأعلى للرابطة الإسلامية في مدينة كرن لتدارس القرار والمساهمة في تطبيقه، فتطوع الحاج سليمان بوضع مسودة الدستور الأرتري، وعكف على مراجعة الدساتير العالمية، فجمع منها مسودة تبلغ حوالي 60 صفحة من القطع الكبير والمحتوية على 173 مادة لتكون نواة لدستور الحكومة الأرترية. وفي 5 يونيو 1952م حمل المسودة المذكورة وفد مكون من سبع أشخاص من أعيان الربطة الإسلامية يتقدمهم الحاج سليمان وقدموها إلى مندوب الأمم المتحدة. وكانت تلك المسودة فخرا لحزب الرابطة الإسلامية الأرترية .
وفى عام 1952م، في أول انتخابات الجمعية التأسيسية الأرترية، اختارته قبيلته نائبا لها فرفض قبول ذلك إلا بالتزكية. وفي عام 1954م، اختاره نواب الجمعية الأرترية في لجنة جمع القانون العرفي وتوحيده في أرتريا، فقبل ذلك بعد تردد.
محنته تحت الاحتلال الإثيوبي:
وبعد إحكام الحكومة الأثيوبية وعملائها قبضتها على زمام الأمور في أرتريا، واضطرار كثير من زعماء الكتلة الاستقلالية لمغادرة البلاد، وضع الحاج سيمان تحت مراقبة بوليس المخابرات السرية، وحاولت السلطة إغراءه وتحويله عن مبادئ الرابطة، حيث كان المدير الحقيقي لسياستها في الداخل، غير أن تلك المحاولات بائت بالفشل. وفى 6 شعبان 1377هجرية، فتشت كتيبة من البوليس منزله تفتيشا دقيقا دام 4 ساعات بتهمة الاتصال بالدول الخارجية، ولكنهم لم يجدوا شيئا.
وفى شهر أكتوبر 1957م، بعث زعماء الرابطة تلغرافا إلى هيئة الأمم المتحدة مطالبين بحقوق أرتريا المهضومة، وكان اسمه ضمن أولئك الزعماء، فدعته المحكمة العليا الفدرالية المزعومة بأسمرة في شهر مارس 1958م، وحكمت عليه مع زميله الحاج إمام موسى بالسجن لمدة 4 سنوات وعلى محاميهم (قبرى لؤل) بالسجن لثلاثة أشهر! وكان السبب إرسال التلغراف المشار إليه، رغم أن الإرسال كان بواسطة الحكومة وبعلم منها، وليس في ذلك أي جناية (أنظر الملحق 1). ولكن كان الغرض من اعتقاله شل حركته، حتى ينفذوا خططهم الاستعمارية ضد حقوق أرتريا التي كانت تفشل دائما بسبب تدابيره الخفية. وبعد سجنه مع زميله، الحاج إمام موسى، ومحمد عمر القاضي، وغيرهم خلا الجو للسلطة، فألغت العلم الأرتري، وشارة وخاتم الحكومة الأرترية، وأحلت محل ذلك العلم الإثيوبي وشارتها وخاتمها.
وبعد أن مكث في سجن عدي خالة تسعة عشر شهرا، خرج من السجن بعفو الملك في يوم 7 يناير 1960. ورغم الإفراج عنه فإنه ظل تحت مراقبة البوليس، ونودي إلى دوائرهم عدة مرات دون أن يستطيعوا إثبات شيء عليه. ورغم ما كان يتعرض له من متابعات وتحقيقات، فإنه ظل يطالب بالحقوق الدستورية، ومنها حق استعمال اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد (حسب الدستور الأرتري) ، ومطالبة الحكومة بتدريسها في مدارسها، كما كان الحال سابقا. وبمشاركته قدمت العرائض والتلغرافات من مناطق مختلفة، إلى الجهات المسؤولة مطالبة باستعمال اللغة العربية، وكونت لجنة خماسية قابلت الإمبراطور في يوم 9 يناير 1967م عند حضوره إلى أسمرة، فشرح الحاج سليمان للإمبراطور وكبار رجال الدولة مطالب اللجنة، فرد عليه بأنه سيدرس طلبهم، ويعطيهم الرد. ولكن مع الأسف كان الرد اعتقاله ونفيه.
وفي يوم 29 مايو 1967م، وفي أثناء الحرب بين العرب وإسرائيل، أرسل الحاج سليمان، نيابة عن الرابطة، برقية تأييد إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وبسبب هذه البرقية وما تقدم ألقى البوليس القبض عليه بأمر من حاكم عام أرتريا “أسراتى كاسا”، وبعد أن بات ليلتين في معتقل أسمرة نقلته الطائرة مقيدا إلى سجن عصب، ومكث هناك مدة شهر، أعيد بعدها إلي معتقل أسمرة، ومكث فيه مدة شهر أيضا، وبعد ذلك أطلقوا سراحه بالضمان، بشرط أن لا يخرج من أسمرة إلا بإذن من البوليس، وأن لا يتدخل في الشؤون السياسية، وأن لا ينادي بالعربية في أرتريا. ورغم إطلاق سراحه استمرت المراقبة عليه كالسابق، وعاش تارة بين السجن والاعتقال، وتارة بين المراقبة البوليسية والتحقيقات المتوالية والتهديدات المستمرة، بتهم لا برهان لها، حيث أن فشل كل خطة من خططهم كانوا يعتقدون أن له يدًا فيها. وكان إطلاق سراحه من قبل السلطات يتم في كثير من الأحيان نتيجة لتوسلات وتدخلات أعيان البلد وكبرائهم (أنظر الملحق 2).
سجاياه ودوره في مساعدة المفتي:
يقول سماحة المفتي في وصف شقيقه:
“وقد ساعدني في سبيل تعليمي مساعدة كبيرة وحرضني في الاستمرار في التعليم إلى نهاية المدة. كما وجهني في كيفية التعامل مع عامة الشعب بعد عودتي من الأزهر الشريف وتوليتي شؤون الإفتاء والقضاء في أرتريا، حيث كان عالما بأحوال البلاد والطوائف، ومشاكلهم، وأخلاقهم، وحوادثهم… وما يناسب عقولهم ويهديء فتنتهم، فعلمني ذلك وأرشدني إلى الطرق التي أسلكها في تسيير مهمتي إلى أن عرفت الأحوال تماما…
وكان كثير التفكر في العواقب…. وجليل الدراية، وكثير التكتم، والصبر، والتأني في الأمور؛ لا يتكلم في المجامع إلا بعد أن يسمع كلام الغير، وكان كثير الابتعاد عن ما يجرح الشعور ولا ينطق إلا بما يؤدي إلى الألفة وجمع الكلمة.”
وفاته:
تأثر الحاج سليمان كثيرا بوفاة شقيقه الأصغر، الشيخ إبراهيم المختار، في 1969م، وكانت تربطه بأخيه المفتي علاقة ود حميمة، فقلت حركته وصار ملازما لبيته، حتى أقعده المرض وأصبح طريح الفراش، إلى أن توفاه الله عز وجل في مدينة أسمرة في 31 مارس 1971م، حيث دفن بجوار شقيقه المفتي في مقبرة حزحز، رحمهما الله أجمعين.
________________
الملحق 1: نص الاتهام المقدم ضد الحاج سليمان وزميليه
دعوة جنائية
المحكمة العليا الفيدرالية المحترمة بأسمرة
المدعي: المدعي العمومي
المدعى عليه:
- إمام موسى عبد، عمره: 81 سنة، المسكن: أسمرة.
- سليمان أحمد عمر، عمره: 60 عاما، المسكن: أسمرة.
- آدم قسم الله، عمره: 55 سنة، المسكن: أسمرة.
أول ادعاء وأسبابها:
الثلاثة المدعى عليهم خالفوا المادة 14 من إعلان رقم 148 لسنة 1946م والمذكورين قد اتصلوا بدولة أجنبية بدون ترخيص من الحكومة الفيدرالية.
إن المدعى عليهم قصدوا في أنفسهم توقيف حركة الحكومة الأثيوبية وتشويه سمعتها وفي نفس الوقت فكروا في مقاومة الحكومة، فعليه خالفوا الإعلان الفيدرالي الصادر في تاريخ 21 أكتوبر1957م. فالمذكورين أرسلوا تلغرافا إلى السكرتير العام لهيئة الأمم المتحدة وطلبوا إرسال لجنة تحقيق دولية بدعوى أن أرتريا توجد في حالة ضائقة شديدة وقاموا بكل ذلك بدون إذن من الحكومة الفيدرالية.
ثاني ادعاء وأسبابها :
الثلاثة المدعى عليهم خالفوا المادة 24 من الإعلان الفيدرالي رقم 184 لعام 1946م لأنهم تآمروا على اتهام الحكومة الأثيوبية وتفصيل ذلك في حوالي شهر أكتوبر 1957م تآمر المدعى عليهم مجتمعين على حمل الشعب على كراهية الحكومة الأثيوبية وفقدان الثقة فيها بنية إحداث انقلاب في الشعب والتسبب في إهدار الدماء وقصدوا أيضا حمل الدول الأجنبية على كره الحكومة الأثيوبية متغاضين عن الإعلان الفيدرالي، فعليه فإن المدعى عليهم مذنبون بتحريرهم إلى الخارج تلغرافا قائلين إن الحكومة الفيدرالية قد سلبت أرتريا من حقوقها وأن أرتريا نتيجة لذلك وقعت في حالة فقر وضائقة خطيرة.
الدفاع الأخير للمتهمين
(هذه واحدة من عدة رسائل رفعها المدعى عليهم للدفاع عن أنفسهم وقد عقدت 16 جلسة في خلال ثلاث أشهر لمحاكمة الزعيمين.)
إلى المحكمة العليا الفيدرالية بأسمرة
إن جناب المدعي العمومي ادعى علينا بأننا اتصلنا بدولة أجنبية بدون ترخيص من الحكومة الفيدرالية وبأننا قصدنا توقيف حركة الحكومة الأثيوبية وتشويه سمعتها وبأننا فكرنا في مقاومة الحكومة وتآمرنا على حمل الشعب لكراهية أثيوبيا وفقدان الثقة فيها بنية إحداث انقلاب للشعب والتسبب في إهدار الدماء وحمل الدول الأجنبية على كره الحكومة الأثيوبية متغاضين عن الإعلان الفيدرالي، وإننا أبرياء عن جميع ذلك ولسنا مذنبين ودفاعا عن أنفسنا من تلك التهم نصرح بما يأتي:
- إن الادعاء ضدنا بزعم اتصالنا بدولة خارجية غير صحيح لأن هيئة الأمم لا تعتبر دولة ولا أجنبية بالنسبة لحكومة أثيوبيا لكون أثيوبيا من مؤسسيها وعضوا عاملا في تطبيق مبادئها وممثلا لها في تطبيق حقوق الإنسان والمبدء الديمقراطي في منطقتها وذلك لعدم انطباق تعريف الدولة عليها، وقد أحضرنا شهودا قانونيين لإثبات ما قلنا غير أن المحكمة حكمت برفض سماع شهادتهم وقد استأنفنا ذلك الحكم فنرجوا رفع استئنافنا إلى الجهة المختصة.
- إننا بعثنا البرقية إلى سكرتير الأمم المتحدة بواسطة بريد الحكومة الفيدرالية كما بعثنا من حينه صورة منه إلى جلالة الإمبراطور وإلى رئيس حكومة أرتريا وبعلم تام من مدير البرق والبريد الفيدرالي ومدير المباحث الجنائية للحكومة الإرترية وكل ذلك يعتبر إذنا صريحا، كما يؤيد ذلك تصريح معالي ممثل الإمبراطور للمراسل الصحفي في أديس أبابا، ومراسلي التلغراف بهذه الصفة علنا وجهارا بمعرفة من ذكر لا ينطبق عليهم ارتكاب أي شيء من التهم المذكورة بأي وجه من الوجوه.
- إننا طلبنا تطبيق قرار الفيدرالية للأمم المتحدة كاملا وتحسين اقتصاديات أرتريا ولم نذكر بتاتا اسم حكومة أثيوبيا ولا الحكومة الفيدرالية في تلغرافنا المذكور، فحين إذ لا صحة بأننا قصدنا توقيف حركتها وتشويه سمعتها ومقاومتها إلى آخر التهم لأن من يقصد مثل هذا العمل لا يعمل جهرا في دوائر الحكومة التي يعمل ضدها وأمام رجالها الرسميين، وكل هذا يشهد كالشمس في رابعة النهار بأننا أبرياء عن جميع التهم المذكورة ومظلومين في هذا الاتهام
- إننا أيدنا رأينا في التلغراف المذكور طبقا لحقوق الإنسان المنصوص عليه في مادة (7) فقرة (د) من قرار الأمم المتحدة لعام 1950م ومادة 30 من الدستور الأرتري وأيضا اعتمادا على المادة 201 من التقرير النهائي لمندوب الأمم المتحدة الذي رفعه إلى الجمعية العمومية لها في اكتوبر 1952م والذي وافقت عليه في حينه تلك الهيئة.
- إننا لم نخالف بتاتا إعلانات الفيدرالية حيث لا نعلم شيئا عن القوانين الصادرة في أثيوبيا بغير اللغة العربية والعدالة لا تآخذنا بمثل هذه الإعلانات، لذا نرجوا من عدالة المحكمة الحكم ببراءتنا ورفض ادعاء المدعي العمومي الأثيوبي .
الإمضاء:
سليمان أحمد عمر
إمام موسى
28 شوال 1377هجرية 19 مايو 1958م
الملحق 2: نص رسالة الأعيان لطلب العفو عن الحاج سليمان وإمام موسى.
حضرة صاحب المعالي ممثل جلالة الإمبراطور
الموضوع : طلب العفو من السجن للحاج إمام موسى والحاج سليمان أحمد.
- في يوم الخميس 29 مايو 1958م قد أصدرت المحكمة العليا الفيدرالية بأسمرة حكما بالسجن لمدة 4 سنوات على المذكورين أعلاه ومن حينه هما في السجن.
- المذكوران في سن الشيخوخة التي لا يستطيعون معها حياة السجن.
لذا نقدم إلى معاليكم هذا الطلب راجين به طلب العفو لهما من صاحب الجلالة إمبراطور أثيوبيا الرئيس الأعلى للفيدرالية وإخراجهما من السجن إنقاذا لحياتهما، وتقبلوا يا صاحب المعالي بقبول أسمى التحية وفائق الاحترام.
حرر في يوم 14 ذي القعدة 1377 الموافق 2 يونيو 1958م.
التوقيعات:
- دجيت حسن علي
- عمر صفاف
- حسين عبده
- إبراهيم محمد حسين
- طلسم الحاج حسين
- برهانوا أحمد الدين
- إبراهيم المختار أحمد عمر
- حامد محمد نور أبو علامة
- إدريس حسين سليمان
- سعيد أمناى
- محمد سراج أحمد
- سليمان الدين أحمد
وقد قابل وفد الأعيان ممثل الإمبراطور وقدم الرسالة المذكورة، وقد وعد الممثل برفع الخطاب إلى الإمبراطور وحسن معاملتهم في السجن.
نقل بتصرف من كتابات المفتي مع إضافات لحوادث ما بعد المفتي.
