لجوء قادة العمل السياسي: إبراهيم سلطان، إدريس محمد آدم، و”ولدآب ولد ماريام” إلى مصر.
اشتدت وطأة حكومة الإمبراطور على الاستقلاليين، وحاصرتهم بكل وسيلة ممكنة، وسدت أمامهم كل سبل العمل السياسي السلمي. حاولت استمالتهم بالمال والسلطان، وحيثما فشلت قامت بعزلهم عن وظائفهم، وحاكمت البعض منهم، وحاولت تصفية الآخرين منهم. وكانت وطأت السلطة تزداد شدة وضراوة على مر الأيام، فلم يكن بد أمام من تيسر له مغادرة البلاد من الاستقلاليين إلا المغادرة، وطلب اللجوء في البلاد الخارجية، وممارسة العمل السياسي هناك. ومن أوائل من غادر البلاد من الاستقلاليين الأستاذ “ولد آب ولد ماريام”، تلاه بعد أعوام قلائل، الزعيمان: إبراهيم سلطان وإدريس محمد آدم. وفيما يلي بعض التفاصيل المتعلقة بمغادرتهم للوطن، نقلا عن كتابات سماحة المفتي.
“ولد آب ولد ماريام”:
- هو محرر الجريدة الأسبوعية التيجرينية، وأول رئيس لنقابة العمال الأرترية، ورئيس حزب أرتريا المستقلة.
- غادر أرتريا بعد أن تعرض لعدة محاولات لاغتياله، كان آخرها محاولة تمت في يوم الثلاثاء 27 ربيع الثاني 1372 هـ الموافق 13 يناير 1953م، حيث أصيب بطلقات نارية في صدره، عولج منها وغادر بعدها إلى السودان، ثم استقر بالقاهرة.
- وفور وصوله إلى القاهرة، مارس العمل السياسي، واستطاع أن يبث عبر الإذاعة المصرية حديثا باللغة التيجرينية، وذلك ابتداءا من الساعة السادسة والنصف من مساء يوم السبت 23 شوال 1375هـ الموافق 2 يونيو 1956م. ولقد ابتهج الناس لهذا الأمر ابتهاجا كبيرا، وأقبلوا في شغف كبير للاستماع إلى حديثه في الإذاعة. يقول سماحة المفتي في وصف أثر هذه الإذاعة:
“وكان إقبال الناس على إذاعته عظيما جدا في أرتريا، لكون النفوس متبرمة من حكم أثيوبيا الاستبدادي.”
- وقد انزعجت حكومة الإمبراطور انزعاجا شديدا، وأجرت اتصالات عاجلة مع الحكومة المصرية أدت إلى إيقاف الإذاعة تماما. يقول سماحة المفتي مبينا أثر توقف هذه الإذاعة:
“وقد اشتد حزن الأرتريين على ذلك الإيقاف حزنا شديدا، ولو استمرت إذاعته المذكورة لأدت إلى حدوث انقلاب ضد الحكم الإثيوبي.”
- ولم تكتفي السلطة بمحاولات التصفية الفاشلة التي قامت بها أثناء وجود “ولد آب ولد ماريام” في أرتريا، بل سعت لتصفيته في الخارج، حيث أرسلت عملاء قاموا بإطلاق الرصاص عليه قرب منزله في القاهرة، وذلك في يوم 2 رمضان 1382هـ الموافق 28 يناير 1963. وقد نجا “ولد آب ولد ماريام” من هذه المحاولة، وأصابت الرصاصات إصابة قاتلة امرأة مصرية كان تعبر في الشارع العام. وقد ألقت السلطات المصرية القبض على ثلاثة أشخاص: إيطالي، ويوغسلافي، ويوناني، اعترفوا بأنهم أرسلوا من قبل إثيوبيا لاغتيال “ولد آب ولد ماريام”، وقد وجدت مع هؤلاء الثلاثة مبالغ كبيرة من المال.[1]
إبراهيم سلطان:
- الأستاذ إبراهيم سلطان،[2] رئيس حزب الرابطة الإسلامية، ولد في كرن في عام 1909. تعلم العربية والإيطالية في مدرسة كرن، ودخل في الخدمة الحكومية في عام 1922م، وتقلب في مختلف الوظائف في العصرين الإيطالي والبريطاني.
- في عام 1943م، استقال من الوظيفة الحكومية، واشتغل في الأعمال الحرة، ثم انتقل بعد ذلك إلى العمل السياسي. أصبح سكرتيرا لحزب الرابطة، وسافر إلى هيئة الأمم المتحدة عدة مرات على رأس وفد الرابطة تارة، وعلى رأس وفد الكتلة الاستقلالية تارة أخرى.
- وفي عام 1952، انتخب نائبا في البرلمان وكان زعيم المعارضة فيه. وفي عام 1956م، وبالرغم من حصانته البرلمانية، حكمت عليه المحكمة الفيدرالية بأسمرة بغرامة 600 دولار إثيوبي، وبالسجن سنة مع إيقاف التنفيذ إلى ثلاث سنوات، وذلك من أجل إسكات صوته الوطني الحر. يقول سماحة المفتي في فقرات من وصفه للأستاذ إبراهيم سلطان:
“وكان في طليعة مؤسسي الرابطة الإسلامية….. ودافع أمام هيئة الأمم دفاعا مجيدا عن استقلال أرتريا…وهو استقلالي أصيل، وصاحب شجاعة وجرأة، وصراحة متناهية.”
إدريس محمد آدم
- الأستاذ إدريس محمد آدم،[3] رئيس البرلمان الأرتري، هو من مواليد أغردات في عام 1921م. تعلم العربية في مدرسة قضارف بالسودان، وفي عام 1941، وظف كاتبا في محافظة أغردات.
- في عام ،1952 انتخب نائبا في البرلمان عن منطقته، وفي 28 يوليو 1955م انتخب رئيسا للبرلمان الأرتري بعد استقالة علي محمد موسى راداي. وقد صوت لانتخابه رئيسا للبرلمان 51 نائبا مع معارضة 17 نائبا، وبقي في منصب رئيس البرلمان إلى يونيو 1956م.
- يقول سماحة في معرض حديثه عن الأستاذ إدريس محمد آدم:
“وهو استقلالي رابطي، كثير التكتم للسر، والتأني والحذر في تدبير الأمور… واستمر يدير الجمعية بذمة ونزاهة، ولكن ذلك لم ينل رضا ممثل الإمبراطور لعدم انصياعه لألاعيبه وعبثه بحقوق أرتريا….. فاشترى الممثل من أرذال النواب 42 صوتا ..وفي يوم الأربعاء 4 ذي القعدة سنة 1375هـ الموافق 13 يونيو 1956م، قد صوتت الجمعية ضده، وقررت إقالته من منصبه بدون أي جريمة سوى رغبة الممثل.”
- غادر الزعيمان إبراهيم سلطان وإدريس محمد آدم أرتريا في27 شعبان 1378هـ الموافق 7 مارس 1959، برا عبر الحدود، ووصلا إلى الخرطوم ومنها إلى القاهرة بعد حصولهما على تأشيرة الدخول. وقد انزعجت حكومة الإمبراطور من خبر مغادرتهما انزعاجا شديدا، واعتبرت ذلك خرقا أمنيا خطيرا، فنودي إلى أديس أبابا “أسفها ولد ميكائيل”، رئيس الحكومة الأرترية، وتم استدعاء رجال المخابرات السرية إلى قصر الممثل، وجرت تحقيقات واعتقالات لبعض أعضاء الرابطة، وحضر من أديس أبابا الجنرال “نقا هيلاسلاسي” ضابط المواصلات الأسبق، والجنرال “مكونن دنقي”، وزير القصر، للتحقيق في الأمر والوقوف على ملابساته.
وقد استشارت السلطات المصرية فضيلة الشيخ الدمرداش، رئيس البعثة الأزهرية في أرتريا، في شأن الزعيمين، فكتب تقريرا وافيا عنهما وعن كفاحهما السياسي، ثم أرسله سرا إلى مصر؛ كما فعل من قبل فضيلة الشيخ محمود خليفة، رئيس البعثة الأزهرية سابقا، حين كتب تقريرا وافيا عن “ولد آب ولد ماريام”، حين استشارته السلطات المصرية في شأنه..
[1] توفي الأستاذ ولد آب في 15 مايو 1995م في مدينة أسمرة عن عمر يقارب التسعين عاما.
[2] توفي الأستاذ إبراهيم سلطان في الفاتح من سبتمبر 1987م في القاهرة ، ودفن في مدينة كسلا.
[3] توفي الأستاذ إدريس محمد آدم في 29 أغسطس 2003م ، ودفن في مكة المكرمة.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!