صرف الزكاة في إصلاح المساجد ونحوه
(فتوى رقم 60)
السؤال: ما حكم دفع الزكاة لإصلاح المساجد ونحوها من الأمور العامة للمسلمين؟
الجواب: في المسألة أقوال للعلماء، ومنشؤها إطلاق قوله تعالى في آية الصدقات ‘وفي سبيل الله’ وهو مطلق عام كما ترى ولم يرد نص يفسره بنوع من القرب واختلفت آراء العلماء في تفسير المراد منه على عدة أقوال:
القول الأول: فسره بالغزاة المتطوعين الذين لا مرتب لهم من ديوان الدولة وهو مذهب الأئمة الأربعة وأبو يوسف، واحتج له بوجوه:
(أولا) إن سبيل الله عند الإطلاق إنما ينصرف إلى الجهاد فإن كل مافي القرآن من ذكر لسبيل الله إنما المراد به الجهاد إلا اليسير فيجب أن يحمل مافي الزكاة على ذلك لأن الظاهر إرادته (ورد ذلك) بأن سبيل الله هو الطريق الموصل إلى مرضاته وجنته ومن جملته الإسلام والإيمان والجهاد في سبيل الله فتعم الغزوة الشرعية وغيره من مصالح الإسلام بحسب لفظه العربي والتخصيص يحتاج إلى دليل صحيح، و آية الإنفاق في سبيل الله تشمل جميع أنواع النفقة المشروعة في سبيل الله، وسبيل الله ليس محصورا في الغزوة لا لغة ولا شرعا وكيف وقد جاءت الآيات في الصد والإضلال عن سبيله والهجرة في سبيل الله ، وكل ذلك ليس من الغزو وقال جل شأنه : ‘الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله’، أي في طاعة الله.
(ثانيا) أن الزكاة إنما تصرف إلى أحد الرجلين: محتاج اليها كالفقراء والمساكين وفي الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم أو من يحتاج إليه المسلمون كالعامل والغازي والمؤلف والغارم لإصلاح ذات البين.
(ثالثا) حديث أبي داود عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لاتحل الصدقة لغني إلا لخمسة فذكر منهم الغازي وليس في الأصناف الثمانية من يعطى له باسم الغزاة إلا الذين نعطيهم من سهم في سبيل الله.
القول الثاني: المراد به الفقير الذي يريد الحج وهو مذهب الإمام محمد بن الحسن الشيباني ورواية عن الإمام أحمد والحسن وإسحاق، واحتج لهم بحديث أم معقل الصحابية رضي الله عنها قالت: لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله، وأصابنا مرض فهلك أبو معقل، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من حجته جئته فقال: يأم معقل ما منعك أن تخرجي معنا، قالت: لقد تهيأنا فهلك أبو معقل وكان لنا جمل هو الذي نحج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله، قال: فهلا خرجت عليه فإن الحج في سبيل الله. رواه أبو داود في آخر كتاب الحج في باب العمرة، وضعفه النووي في المجموع لكون الحديث من رواته محمد ابن إسحاق وقال فيه: وهو مدلس، والمدلس إذا قال عن لا يحتج به بالإتفاق.
وعن إبن عباس رضي الله عنهما قال: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج، فقالت: إمرأة لزوجها أحججني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ما عندي ما أحجك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت أحججني على جملك فلان فقال: ذلك حبيسي في سبيل الله عز وجل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله وأنها سألتني الحج معك قالت: أحججني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما عندي ما أحجك عليه، فقالت: أحججني على جملك فلان، فقلت: ذلك حبيسي في سبيل الله، فقال: أما أنك لو حججتها عليه كان في سبيل الله………… رواه أبو داود بإسناد صحيح
القول الثالث: المراد به طلبة العلم واقتصر عليه في الفتاوى الظهيرية وفي جامع الفتاوى معزيا إلى المبسوط ما نصه: وفي المبسوط دفع الزكاة إلى من يملك النصاب لا يجوز إلا لطالب العلم والغازي والمنقطع لقوله عليه السلام يجوز دفع الزكاة لطالب العلم وإن كان له نفقة أربعين سنة، كما في منحة الخالق على البحر الرائق لابن عابدين. واستبعده السروجي الحنفي بزعم أن الآية نزلت وليس هناك قوم يقال لهم طلبة العلم، وقال الشرنبلالي ردا عليه: واستبعاده بعيد لأن طلب العلم ليس إلا إستفادة الأحكام وهل يبلغ طالب رتبة من لازم صحبة النبي صلى الله عليه وسلم ليتلقى الأحكام عنه كأصحاب الصفة، فالتفسير بطالب العلم وجيه.
القول الرابع: تفسيره بجميع القرب وبه قال صاحب البدائع الحنفي، حيث قال: في سبيل الله جميع القرب فيدخل فيها كل من سعى في طاعة الله وسبيل الخيرات إذا كان محتاجا.
ولذا نقل القفال الشافعي [1] عن بعض الفقهاء أنه أجاز صرف الصدقة إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد لأن ذلك كله في سبيل الله، كما نقل عنه فخر الدين الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب…
‘وفي سبيل الله’ في الآية عام ولم يوجد نص يخصصه بنوع من القرب، فلهذا القول بالتعميم لجميع سبل الخيرات وجيه عندي، فعليه يجوز صرف سهم في سبيل الله في عمارة المساجد ونحوه من الأمور العامة لمصالح المسلمين، وخصوصا أن المتطوعين في جهاد مشروع (الذي قال به الأكثرون من العلماء) لا يتحقق وجودهم في أيامنا هذه، كما لا يتحقق الرقاب الذين يستحقون دفع الزكاة لهم، فلم يبقى بعد ذلك أفيد من صرفها في المصالح الخيرية العامة للمسلمين التي يحتملها لفظ في سبيل الله والله أعلم.
الهوامش
↑1 | قد عرف بهذا الإسم عالمان من الشافعية:
(أولهما) محمد ابن علي ابن إسماعيل القفال الكبير الشاشي المولود في سنة 291 والمتوفي في سنة 365، وهو الأكثر ذكرا في كتب التفسير والأصول وله تفسير، وسئل أبو سهل الصعلوكي عن تفسيره فقال قدسه من وجه ودنسه من وجه، أي دنسه من جهة نصره مذهب الإعتزال ولعل هذا هو القفال الذي ينقل عنه الرازي. (ثانيهما) عبد الله ابن أحمد بن عبدالله القفال المتوفي سنة 417 وهو ابن سبعين عاما، وهو الأكثر ذكرا في كتب فقه الشافعية وإذا أطلق في الفقه فهو المراد به غالبا والأول عند الإطلاق يقيد بالشاشي وكلاهما إمامان عظيمان وقد بسط السبكي ترجمتهما في طبقاته الكبرى. |
---|
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!