تأسيس أول مكتبة إسلامية عربية في أرتريا

لا يوجد ذكر للمكتبات العربية في القطر الإرتري قبل العصر المصري،[1] سواء كانت مكتبات خاصة أو عامة، باستثناء بعض الكتب والمجلدات التي كانت في حوزة العلماء وبعض الأغنياء. وفي أواخر العصر المصري، كان في مصوع رجل يدعى محمد سالم بك، ويعمل مديرًا لجمارك مصوع، وكان يمتلك مكتبة عربية قيمة تحتوي على أمهات الكتب الإسلامية والعربية والتاريخية. وبعد وفاته في حوالي عام 1345هـ، باع ورثته تلك المكتبة بأبخس الأثمان للأجانب، فأخذوها إلى خارج القطر، وما تبقى بيع بأجزاء مفرقة داخل القطر الإرتري. ولذلك سعى سماحة المفتي منذ لحظة وصوله إلى إرتريا لسد هذا الفراغ، وإنشاء مكتبة إسلامية متكاملة، فاتصل بالتجار والمحسنين طالبًا منهم المساهمة المالية في إنشاء المكتبة، فوجد استجابة من عدد من المحسنين، ومن أبرزهم الحاج أحمد عبيد باحبيشي.

بدأ الشروع في تأسيس المكتبة في أسمرة في رجب 1363هـ الموافق يونيو 1944م، بتخصيص مبنى مجاور لجامع الخلفاء الراشدين. وكانت النواة الأولى للمكتبة 150 مجلدًا من أنفس المجلدات، اشتراها الحاج عثمان عبد الله مفتاح البيضاني اليماني من عالم أزهري كان قد ضعف نظره وعجز عن القراءة، فأوقفها كلها للمكتبة. وبعد ذلك بدأت عملية شراء الكتب من الأفراد في داخل القطر وتجميعها في المكتبة، وكان سماحة المفتي يراجع هذه الكتب ويصادق عليها ويدفع ثمنها الحاج أحمد عبيد باحبيشي. ونظرًا لقلة الكتب الموجودة داخل القطر، قام سماحة المفتي بوضع قائمة لأمهات الكتب المطلوبة في كافة العلوم والفنون لطلبها من الخارج، فتكفل الحاج أحمد باحبيشي بإحضارها ودفع قيمتها. وقد قام العلماء أيضًا بالتبرع بكتبهم وجعلها وقفًا للمكتبة، ومنهم:

وقد ساهمت أيضًا هيئات ومؤسسات أخرى بالتبرع للمكتبة، وبذلك تجمع لدى المكتبة أمهات كتب الفقه الإسلامي على اختلاف مذاهبه، وكتب التفسير والحديث والتاريخ وعلوم اللغة العربية والفلسفة وغيرها. وقد تجاوز عدد الكتب في المكتبة في أيام سماحة المفتي 17 ألف مجلد.

وكان مبنى مكتبة المعهد يحتوي على طابقين. الطابق الأول، وفيه قاعة تضم المراجع العلمية الكبيرة الخاصة بالعلماء والباحثين، وتستخدم أيضًا كقاعة للاجتماعات، حيث كانت تعقد فيها اجتماعات لجنة الأوقاف برئاسة سماحة المفتي، وكان فيها أيضًا مكتب سماحة المفتي، حيث كان يقضي صباحه في مكتبه بدار الإفتاء، ويقضي ما بعد صلاة العصر في مكتبه بمكتبة المعهد.

أما الطابق السفلي، فكان يحتوي على قاعة المطالعة العامة، وكانت فيها الكتب المختلفة في جميع فنون العلم. وكانت ترد إليها بانتظام الصحف الخارجية، وبالأخص المصرية مثل: الأهرام وأخبار اليوم وروز اليوسف والمصور وأخر الساعة، بالإضافة إلى مجلة الأزهر والصحف العربية المحلية وغيرها.

وقد تم تطوير المكتبة وتحديثها فيما بعد، بتبرع كريم من الحاج سالم باحبيشي وبعض المحسنين. وللمكتبة موظفون متفرغون، ونظم ولوائح، تماماً كغيرها من المكتبات العامة. وقد ساهمت هذه المكتبة مساهمة كبيرة في المحافظة على الثقافة الإسلامية العربية وإثرائها. وكانت مرجعاً مهماً للقضاة والعلماء والدعاة وعامة المثقفين.


[1] لا يستبعد وجود مكتبات اندرست على مدار التاريخ، وخاصة في سلطنة دهلك في أيام عزها وازدهارها. المحرر.

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *