تأسيس أول مكتبة إسلامية عربية في أرتريا
لا يوجد ذكر للمكاتب العربية في القطر الأرتري قبل العصر المصري ، سواء كانت مكاتب خصوصية أو عمومية ، باستثناء بعض الكتب والمجلدات التي كانت في حوزة العلماء ، وبعض الأغنياء. وفي أواخر العصر المصري كان في مصوع رجل يدعى محمد سالم بك ، ويعمل مديرا لجمرك مصوع ، وكان يمتلك مكتبة عربية قيمة تحتوي على أمهات الكتب الإسلامية والعربية والتاريخية ، وبعد وفاته في حوالي عام 1345هـ باع ورثته تلك المكتبة بأبخس الأثمان للأجانب ، فأخذوها إلى خارج القطر ، وما تبقى بيع بأجزاء مفرقة في داخل القطر الأرتري.
ولذلك سعى سماحة المفتي من ساعة وصوله إلى أرتريا لسد هذا الفراغ ، وإنشاء مكتبة إسلامية متكاملة ، فاتصل بالتجار والمحسنين طالبا منهم المساهمة المالية في إنشاء المكتبة ، فوجد إستجابة من عدد من المحسنين ، ومن أبرزهم الحاج أحمد عبيد باحبيشي. بدء الشروع في تأسيس المكتبة في أسمرة في رجب 1363هـ الموافق يونيو 1944م ، بتخصيص مبنى مجاور لجامع الخلفاء الراشدين ، وكانت النواة الأولى للمكتبة 150 مجلدا من أنفس المجلدات ، إشتراها الحاج عثمان عبدالله مفتاح البيضاني اليماني من عالم أزهري كان قد ضعف نظره وعجز عن القراءة ، وقد أوقفها كلها للمكتبة. وبعد ذلك تم بدء شراء الكتب من الأفراد والأشخاص في داخل القطر وتجميعها في المكتبة ، وكان سماحة المفتي يراجع هذه الكتب ويصادق عليها ، ويدفع ثمنها الحاج أحمد عبيد باحبيشي. ونظرا لقلة الكتب الموجودة في داخل القطر ، قام سماحة المفتي بوضع قائمة لأمهات الكتب المطلوبة في كافة العلوم والفنون لطلبها من الخارج ، فتكفل الحاج أحمد باحبيشي بإحضارها ودفع قيمتها. وقد قام العلماء أيضا بالتبرع بكتبهم وجعلها وقفا للمكتبة. فقد أوقف سماحة المفتي مكتبته الخاصة وعددها 3 آلاف مجلد ، وأوقف شيخ المعهد الأول الشيخ أدريس حسين سليمان 479 مجلدا ، والشيخ محمد سراج أحمد وكيل المعهد 175 مجلدا ، بالإضافة إلى مكتبة الشيخ محمد صالح الطرعاوي (600 مجلد) التي إشتراها الحاج أحمد باحبيشي من ورثته ، وغيرهم من العلماء. وقد ساهمت أيضا هيئات ومؤسسات أخرى بالتبرع للمكتبة ، وبذلك تجمع لدى المكتبة أمهات كتب الفقه الإسلامي على اختلاف مذاهبه ، و كتب التفسير ، والحديث ، والتاريخ ، وعلوم اللغة العربية ، والفلسفة وغيرها. وقد تجاوز عدد الكتب في المكتبة في أيام سماحة المفتي 17 الف مجلد.
وكان مبنى مكتبة المعهد يحتوي على طابقين . الطابق الأول وفيه قاعة فيها المراجع العلمية الكبيرة الخاصة بالعلماء والباحثين ، وفيها أيضا قاعة الإجتماعات حيث كانت تعقد فيها إجتماعات لجنة الأوقاف برئاسة سماحة المفتي ، وفيها أيضا كان مكتب سماحة المفتي ، حيث كان يقضي صباحه في مكتبه بدار الإفتاء ، ويقضي ما بعد صلاة العصر في مكتبه بمكتبة المعهد.
والطابق السفلي كان يحتوي على قاعة المطالعة العامة ، وكانت فيها الكتب المختلفة في كل فنون العلم. وكانت ترد إليها بانتظام الصحف الخارجية وبالأخص المصرية مثل الأهرام ، وأخبار اليوم ، وروز اليوسف ، والمصور ، وأخر الساعة ، بالإضافة إلى مجلة الأزهر والصحف العربية المحلية ، وغيرها.
وقد تم تطوير المكتبة وتحديثها فيما بعد ، بتبرع كريم من الحاج سالم باحبيشي وبعض المحسنين. وللمكتبة موظفون متفرغون ، ونظم ولوائح ، تماما كغيرها من المكتبات العامة.
وقد ساهمت هذه المكتبة مساهمة كبيرة في المحافظة على الثقافة الإسلامية العربية و إثرائها. وكانت مرجعا مهما للقضاة ، والعلماء ، والدعاة ، وعامة المثقفين.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!