اللائحة الداخلية للمجلس الإسلامي الأعلى للتعليم بأرتريا
تم إنشاء المجلس الإسلامي الأعلى للتعليم بأرتريا من أجل دفع الحركة العلمية إلى الأمام و إيجاد هيئة موحدة لوضع المناهج وتوفير المدرسين. وكانت الحاجة ماسة لإيجاد هيئة من هذا النوع نظرا لما كانت البلاد تعاني منه من إفلاس شديد في الجانب التعليمي كنتيجة لسياسات الإستعمار الإيطالي الذي فرض الجهل على البلاد. ومع حلول الإنتداب البريطاني وانفتاح الأجواء إتجهت الجهود الحثيثة نحو فتح المدارس الخاصة ، فقد فتح في خلال عام واحد فقط (عام 1944م ) ثلاثة مدارس إسلامية خاصة وهو رقم قياسي إذا وضع في الإعتبار أنه لم تؤسس ولو مدرسة إسلامية واحدة في العصر الإيطالي كله. وكانت هذه المدارس تعاني من قلة المدرسين ، وعدم وجود المناهج ، وقلة الإمكانيات. وهذا أدى إلى تداعي قادة البلاد لتدارس الأمر ووضع خطة لمعالجته. ولذلك عقد إجتماع خاص حضره سماحة المفتي ، والشيخ مصطفى الغرابي (مبعوث الأزهر) ، والحاج حسن علي ، والسادة أحمد عبيد ، وسالم عبود بالعمش ، وبعد تداول الأمر إتفقوا على إنشاء المجلس المذكور وبناءا عليه وجهوا الدعوة للأعيان ولجمهور الناس ، وعقد اللقاء في يوم الأحد 4 جمادي الأولى سنة 1367 الموافق 14 مارس 1948م في مبنى المعهد الإسلامي ، وانتهى اللقاء بالمصادقة على إنشاء المجلس * وإختيار لجنة عليا تتكون من السادة:
الشيخ مصطفى الغرابي رئيسا
الشيخ إدريس حسين الوكيل الأول
الأستاذ سعيد باوزير الوكيل الثاني
الشيخ سالم عبود بالعمش السكرتير الأول
الأستاذ عبدالقادر محمد صالح كبيري السكرتير ثاني
الحاج أحمد عبيد باحبيشي أمين الصندوق
الحاج قسم الله محمد مراقب الحسابات.
وقد تم وضع لائحة تأسيسية وداخلية لهذا المجلس تتكون من 42 مادة وتحتوى على مقدمة وثلاثة أبواب.
الباب الأول : في تكوين المجلس وكيفية أخذ الرأي فيه و إختيار أعضائه وصفة إجتماعاته (وفيه 19 مادة).
الباب الثاني: أعمال المجلس وإختصاصاته وغايته (وفيه 14 مادة).
الباب الثالث: في الأمور المالية (وفيه 9 مواد).
وفيما يلي عرض لمدخل اللائحة و للباب الثاني منها فقط.
اللائحة الداخلية للمجلس الإسلامي الأعلى للتعليم بأرتريا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وبعد ، فلما كانت الحكومة الإنجليزية القائمة بأمر هذه البلاد لا تمنع أهلها من أن يتعلموا ويتثقفوا ، بل وتسهل لهم أن يختاروا لأنفسهم نوع الثقافة التي يريدونها ، حتى لقد تركت لهم حرية إختيار من يشاؤون من المدرسين من الأقطار الإسلامية ، ولقد كان أول شي يدل على هذا هو سماح الحكومة القائمة لأهل هذه البلاد بطلبهم مبعوثا من الأزهر يقوم على تثقيفهم ويرشدهم إلى أقرب الطرق التي تؤهلهم لأن يتعلموا ويتثقفوا ، وما كان للأزهر أن يتأخر – وهو الجامعة الإسلامية التي تحمل الرسالة المحمدية والعربية للعالم أجمع – عن تلبية طلب هذه البلاد ، وتحقيقا لذلك أرسل مبعوثا منه لتلك البلاد وهو فضيلة الأستاذ علي مصطفى الغرابي ، مدرس الفلسفة وعلم الكلام بكلية أصول الدين.
ولقد رغب المخلصون من أهل الفضل في هذه البلاد ، وعلى رأسهم سماحة مفتي أرتريا أن يعالج فضيلة الأستاذ المبعوث مشكلة التعليم عند المسلمين** من أهل تلك البلاد بما يراه صالحا لحل هذه المشكلة ، فاقترح فضيلته عليهم أن الخطوة الأولى لحل تلك المشكلة التعليمية هي تكوين مجلس يسمى “المجلس الإسلامي الأعلى للتعليم”. فقوبل إقتراح فضيلته من أهل البلاد بالموافقة والإستحسان. وقد أتم الله سبحانه لهم ماأرادوا ، ولم يفارقوا إجتماعهم حتى تكون المجلس في الساعة العاشرة من صباح يوم الأحد المبارك 3 جمادى الأول سنة 1367هـ الموافق 14 مارس سنة 1948م.
وقبل أن يفارق المجتمعون مكانهم بعد توقيعهم على اللائحة التأسيسية للمجلس فوضوا فضيلة الأستاذ الشيخ مصطفى الغرابي ، والشيخ إدريس حسين سليمان ، والشيخ سعيد بن عوض باوزير في وضع اللائحة الداخلية للمجلس ، وقد قام المفوضون بهذا خير قيام ، وأتموا وضعها والحمد لله أولا وآخرا.
البــــاب الثــــاني
أعمال المجلس وإختصاصاته وغايته
المادة العشرون: عمل المجلس هو وضع المناهج التعليمية والقيام بنشر التعليم بين أهالي أرتريا لا فرق بين الكبار منهم والصغار ، ولا بين الذكور والإناث ، على أن يبدأ بتعليم الصغار إلا إذا سمحت مالية المجلس بتعليم الجميع فإن المجلس لن يتوانى في تحقيق ذلك للكبار والصغار ، والذكور والإناث.
المادة الحادية والعشرون: تحقيقا لما تقدم يعمل المجلس على إنشاء المعاهد والمدارس في حواضر المدن وقراها من بلاد أرتريا إذا ساهم أهل كل حاضرة أو قرية في إيجاد مكان للدراسة ، وقدموا قدرا من المال المناسب يتناسب وحالتهم المالية ، وأسسوا كذلك لجنة فرعية للمجلس للإشراف على تنفيذ المنهج التعليمي تحت إرشاد المجلس وتوجيهاته.
المادة الثانية والعشرون: لا يتعدى إختصاص المجلس الناحية التعليمية على أن يعمل على جمع المال لذلك بالطرق المشروعة حتى يحقق ما قام لأجله من تعميم التعليم بين أهالي تلك البلاد وانتشاره بينهم ، وليس لهذا المجلس شأن بالمسائل السياسية ، ولا بصفة الهيئة الحاكمة ولا بنوع الحكم في البلاد ، كما أنه يحرم عليه الإشتغال بالحركات الثورية التي تعرقل سير الإصلاح في البلاد والنهوض بأهلها ، ولا يصح له كذلك أن يروج للنظريات الإجتماعية الفاسدة التي هي خطر على الدولة ولا أن يدعوا إليها.
المادة الثالثة والعشرون: غاية المجلس النهوض بالمسلمين من سكان أريتريا من النواحي الدينية والتعليمية والخلقية.
المادة الرابعة والعشرون: سيبدأ المجلس بتعليم المسلمين الدين والعلوم والمعارف العربية وبعض اللغات الأوربية الحديثة التي تحتاج إليها البلاد ، ثم إذا اتسعت ماليته فإنه سيعمل على إنشاء المدارس الصناعية والتجارية بما يتفق ومصلحة البلاد.
المادة الخامسة والعشرون: للمجلس الحق في الإشراف على المعاهد والمدارس التي تديرها الهيئات بوساطة مفتشين يندبهم عنه للقيام بالتفتيش على معاهد تلك الهيئات ومدارسها ، لضمان تنفيذ المنهج التعليمي بها ، ولمعرفة حال المدرسين ونشاطهم ، ومعرفة مستوى الطلبة العلمي حتى إذا ظهر للمجلس بعد هذا ناحية نقص في معاهد الهيئات ومدارسها عمل على إصلاحها ، على أنه يجب على المجلس مراعاة اللوائح الداخلية لكل هيئة تعليمية.
المادة السادسة والعشرون : إذا رغب المسيحيون أن يتعلموا في المدارس الإسلامية فإن المجلس لا يتأخر عن تحقيق رغبتهم إذا قبلوا تطبيق منهج التعليم الذي يضعه المجلس لأبناء المسلمين على أولادهم ، وكذا لكل إنسان من غير المسلمين الحق في هذا ، إذا التزموا تنفيذ ذلك المنهج إلا مادة الدين الإسلامي فيكون تعلمهم لها بإختيارهم.
المادة السابعة والعشرون : سيبدأ المجلس أولا بالنهوض بأمر التعليم في “أسمرا” عاصمة البلاد ، وأن يحقق كذلك أولا حاجة المسلمين إلى التعليم ، وأن يسد فراغهم في هذا ، على أنه إذا رغب من الأن أهالي عواصم البلاد وقراهم في المساهمة بالإشتراكات لتعليم أبنائهم ، فإن المجلس لن يتأخر عن تحقيق رغبتهم إذا قاموا بتحقيق ما تقدم في المادة الحادية والعشرين.
المادة الثامنة والعشرون: حيث أن مالية المجلس لا تكفي في أول الأمر لتحقيق غايته من نشر التعليم بين المسلمين ومن يرغب أن يتعلم معهم من غيرهم من أهالي أرتريا ، فإنه يجب أن يتمهل في إنشاء المدارس ، على أن يوجه نشاطه نحو إيجاد الكتب والأدوات الدراسية والمدرسين للمعاهد والمدارس القائمة عند تكوين المجلس بتعليم الأهالي حتى تنال كفايتها منها.
المادة التاسعة والعشرون: للمجلس أن يستعين بأهل الخبرة من الأقطار الأخرى في وضع المناهج العلمية ، كما أن له أن يستعين بالمدرسين من ذوي الخبرة والكفاية من الأقطار الأخرى أيضا ، لحاجة هذه البلاد إلى تلك المساعدات لعدم وجود العدد الكافي من المدرسين الذين يحققون غاية البلاد من التعليم ، كما أن له أن يطلب من الأقطار الأخرى المؤلفات والكتب الدراسية التي يتحقق فيها المناهج العلمية التي يضعها المجلس.
المادة الثلاثون: سيجعل المجلس التعليم في أول الأمر إختياريا ، حتى إذا توفر لديه المال الكافي فإنه سيعمل على أن يكون إجباريا ، وسواء في ذلك الذكور والإناث على من بلغوا السادسة من العمر حتى يعم التعليم البلاد وإلى الثانية عشرة.
المادة الحادية والثلاثون : لما كان التعليم هو الطريق لتحقيق الوحدة بين الشعوب ، والوسيلة الوحيدة للإتحاد في الإفكار والمشاعر والإحاسيس فإن المجلس يرحب بغير المسلمين إذا قبلوا بإختيارهم تطبيق نظام التعليم الإجباري لكل من بلغ هذا العمر.
المادة الثانية والثلاثون : لما كان التعليم هو العلاج الناجع لإزالة الخلافات المذهبية ، والقضاء على العصبيات القبلية بين الناس ، وهو كذلك الطريق الصحيح لأن يفهم الناس مصالحهم ، وأن يحققوا نشر الأمن في البلاد وأن يقضوا على روح البطالة فيها ، فإن المجلس سيجعل جهوده مركزة في نواحي التعليم في هذه البلاد.
المادة الثالثة والثلاثون: لما كان من إغراض المجلس الأولى الإهتمام بالتعليم الديني بين أهل أرتريا من المسلمين ، لأنه الطريق الوحيد لتهذيبهم واستتباب الأمن بينهم ، فإنه يجب على المجلس أن يعمل على إنتشار حفظ القرآن الكريم بين المسلمين ، ولما كان بالبلاد كتاتيب ، وهي المعروفة هنا باسم (الخلاوي)*** تقوم بتعليم الأولاد القرآن الكريم ، وليس للقائمين بها عمل غير هذا ، فإن المجلس يعمل على بقائها والمحافظة عليها ، ومد يد المساعدة إلى القائمين عليها بشرط إشراف المجلس عليها ليعرف مدى مايؤدونه من التعليم ، وبشرط أن يقوم معلموا القرآن الكريم بتحفيظه للأولاد لا بإقرائه لهم في المصاحف فقط ، وبشرط أن يعمل كذلك كل واحد منهم في دائرته على إنشاء لجنة تعليمية تكون تابعة للمجلس الأعلى ، على أن المساعدة ستتفاوت بتفاوت نشاط المعلمين وعدد الأولاد بكل خلوة ، وعلى كل معلم كذلك أن يقدم من يختم القرآن الكريم من الأولاد لإمتحانه في حفظ القرآن الكريم وتجويده من لجنة تؤلف بواسطة المجلس ، على أن يقدم المجلس مقدارا من المال عن كل تلميذ ينجح في الإمتحان يقسم بين المعلم والتلميذ بحسب ما يراه المجلس ويقدره.
________________________________
* قام المجلس بممارسة مهامه على الفور ، ولكن أجواء الحرية التي أتاحها الإنتداب البريطاني لم تستمر طويلا ، فقد حالت سياسات الأمبراطور الطائفية دون تحقيق الهيئات الإسلامية أهدافها التعليمية ، وإلإجتماعية ، والإنسانية ، فتساقطت تحت الضغط الطائفي المؤسسات التعليمية الخاصة، وجمعيات الشبان ، والنوادي الثقافية ، والهيئات القضائية واحدة تلو الأخر.
** كان التعليم في العصر الإيطالي مزدوجا ، حيث كانت هناك مدارس خاصة للإيطاليين ومدارس خاصة للوطنيين. وكانت المدارس الخاصة بالوطنيين محدودة ولا تتجاوز المراحل الإبتدائية. وكان للجماعات التبشيرية، وخاصة السويدية مدارس تبشيرية خاصة تتولى تدريس بعض المواد العصرية بجانب تعاليمها الكنسية البروتستانتية. وقد تجنب المسلمون (وعامة النصارى الأرثوذكس) هذه المدارس نتيجة لصبغتها التبشيرية. وقد تولى بعض من تخرج من هذه المدارس أهم المناصب السياسية والتعليمية في أرتريا في الفترة الفيدرالية وما بعدها.
*** كانت الخلاوي منتشرة في كل المناطق في أرتريا ، وكانت تقوم بتعليم الأطفال القرآن والمبادي العربية والأداب الإسلامية ؛ ورغم قلة إمكانياتها ، فإنها كانت تسد جزءا من الفراغ العلمي في البلاد وتوفر وسيلة سهلة لتعلم العربية والقرآن. وكانت الحلقات العلمية التي تقام في المسجد لطلبة العلم في الأماكن التي يتوفر فيها أهل العلم والدعاة وسيلة مهمة للتحصيل العلمي ، وقد تخرج منها عدد من حملة العلم والدعاة في أرتريا.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!