القاضي علي عمر عثمان، من كبار علماء أرتريا وزعمائها

  • ولد القاضي علي عمر عثمان في شهر محرم 1312هـ، الموافق يوليو 1894م.
  • قرأ القرآن في البادية على والده، وبعد بلوغه سن الرشد دخل الجندية في أيام الحكومة الإيطالية ومكث فيها مدة خمس سنوات.

رحلته في طلب العلم:

  • سافر إلى الحبشة عام 1341 هجرية لطلب العلم هناك على يد علمائها، ثم رجع منها في نفس السنة مع شيخه الحاج عبد الله الدنكلي.
  • سافر مع شيخه إلى الحج في أيام الحكومة الهاشمية، ومكث هناك أكثر من عام، إلى سنة 1343 هجرية، طالبا للعلم والمعرفة. وقد عاصر أثناء وجوده في مكة، دخول الملك عبد العزيز بن سعود مكة فاتحا، وكانت له مواقف شجاعة نالت استحسان أهل مكة وإعجابهم، ثم رجع بعدها إلى أرتريا ليغادرها مرة أخرى إلى مصر لاستكمال مشواره العلمي.
  • انتسب في الجامع الأزهر الشريف في شهر ربيع الأول 1344 هجرية، ونجح في شهادة الإجازة في غرة رجب 1350 هجرية، الموافق 1931م، في أيام مشيخة الشيخ محمد أحمد الظواهري، وفي الشهادة العالمية النهائية بتاريخ 10 أغسطس 1937م في مشيخة الشيخ مصطفى المراغي.

عودته إلى أرتريا:

عاد إلى أرتريا في 5 مارس 1938م، وعقب وصوله عينته الحكومة الإيطالية عضوا في محكمة الاستئنافات الشرعية بأسمرة، ثم قاضيا بمديرية كرن، ثم قاضيا بمدينة عدي قيح، ثم عين مرة ثانية عضوا في محكمة الاستئنافات الشرعية.

انخراطه في العمل السياسي:

ولما أنشئت الرابطة الإسلامية الأرترية عام 1947م، كانت له يد كبيرة في إنشائها، وكان خطيبها الأوحد في جوامع أرتريا لنصرتها والدفاع عنها. وكان رئيسا لفرع الرابطة الإسلامية في منطقة أكلى غوزاي .

وفى عام 1952م لما أجريت أول انتخابات في أرتريا، اختارته عدة قبائل نائبا لها في البرلمان علاوة على وظيفته القضائية.

من مواقفه:

كان صوت القاضي علي في البرلمان الأرتري عاليا مدويا يجهر بالحق دون تردد. تصدى بقوة وبحزم لكل محاولات التلاعب بالدستور الأرتري وبالقرار الفيدرالي، وعارض بشجاعة نادرة تدخلات ممثل الإمبراطور، ووقف في وجه صنائعه في داخل البرلمان، وكان له معهم صولات وجولات ومواقف مشرفة.

وكان القاضي في مقدمة النواب الذين عارضوا تعيين “أسفها ولد ميكائيل” رئيسا للحكومة الأرتريه خلفا “لتدلا بايروا”، معلنا أنه من موظفي الحكومة الأثيوبية، ونائبا لممثل الإمبراطور، ومؤيدا للانضمام إلى أثيوبيا ولذلك فهو لا يكون أهلا للثقة ولا يؤتمن على تحمل هذه المسؤولية. ولهذا السبب سعى “أسفها ولد ميكائيل” بعد تولي رئاسة الحكومة إلى اضطهاده، فأخرجه من وظيفته القضائية، ومنعه من الوعظ في المساجد.

ويوم سعى ممثل الإمبراطور عبر صنائعه، وعبر توزيع الرشاوي على بعض النواب، أن يعدل ثلاث مواد من الدستور الأرتري: مادة اللغة (لتحل الأمحرية بدل العربية والتيجرينية)، والعلم (ليحل العلم الأثيوبي مكان العلم الأرتري)، ورئيس الحكومة (ليعين بمرسوم الإمبراطور بدل الانتخاب الشعبي) كان القاضي أول من رفع صوته معترضا، ولم يكتفي بذلك بل قام في جموع الناس عقب صلاة التراويح وصلاة الجمعة معلنا للناس ما كان يدور في الخفاء في أروقة البرلمان قائلا: إن الاستقلال الداخلي قد أصبح على وشك الانهيار وأن بعض خونة النواب قد باعوا ضمائرهم، فانتشر الخبر وشاع في أنحاء القطر فانهالت برقيات الاحتجاج من كل المدن والقرى.

وقد استدعي القاضي علي من قبل رئيس بوليس أرتريا “تدلا عقبيت” ليحقق معه ويحذره، فطلب القاضي من رئيس البوليس أن يبين له وجه المخالفة القانونية التي ارتكبها. وقال له أنه إنما كان يؤدي واجبه القانوني في الدفاع عن دستور البلاد، وأن الذي يخالف القانون ويستحق المسائلة هم أولئك الذين يريدون أن يعبثوا بدستور البلاد ويتجاهلوا رغبات الشعب. وقد تم التحقيق مع القاضي مرة ثانية من قبل رئيس البوليس في إقليم “أكلى غزاى”، متهما إياه بالإخلال بالأمن، ولكن القاضي رد عليه بأن الذي يخل بالأمن هو من يعتدي على الحقوق القانونية والدستورية، وليس الذي يدافع عنها.

 خطبه:

كان القاضي علي خطيبا ومتحدثا بارعا، تردد صوته في الجوامع، والبرلمان والمحافل المختلفة. وفيما يلي نموذج لخطبه الصريحة:

كلمته أمام رئيس الحكومة الأرترية “تدلا بايرو” أثناء زيارته لإقليم أكلى غوزاي:

الحمد لله الذي وفقنا بالعمل للوصول للاستقلال الذاتي بعد طول الاستعمار.

يا صاحب المعالي أحييكم تحية تليق بمقامكم السامي نيابة عن أهالي “أكلي غوزاى.” وباعتبار أنكم أول حاكم عام وطني، أرحب بكم ترحيبا حارا حيث أنكم صاحب أول مفخرة تاريخية وطنية.

يا صاحب المعالي إن الشعب الأرتري قد اختاركم حاكما عليه وحملكم مسؤوليات كبرى:

أولها: حفظ حقوق الوطن واسترجاع ما أخذ منه بدون قانون.

ثانيهما: حفظ العدالة بين الشعب بدون ملاحظة أبناء دين دون أبناء دين آخر، وبدون ملاحظة حزب دون حزب آخر، طبقا للدستور الأرتري وقرار الأمم المتحدة .

ثالثها: العمل لكل ما يؤدي إلى استمرار الألفة بين الشعب الأرتري، وعلى الأخص المساواة بين المسلمين والمسيحيين في عطلات أعيادهم، وفي الوظائف الحكومية، والتعليم، وتطبيق لغتيهما الرسميتين في جميع دوائر الحكومة الأرترية والفيدرالية.

وختاما يا صاحب المعالي، أوصيكم أن تتركوا للشعب حرية المقال وحرية الصحافة، لأن حكومتكم ديمقراطية، ومن خرج عن قانون العدل في أقواله فأمامه سيف العدل، فبتحقيق هذه الحرية يكون الشعب في حياة مطردة وإلا ينعكس الحال .

أسال الله لي ولكم العمل والتوفيق لحفظ حقوق الوطن ….

وقد أهملت صحف الحكومة خطبة القاضي لصراحتها وما احتوته من نصائح مخلصة، واكتفت بنشر خطب المدح والثناء.

تعرض القاضي رحمه الله بسبب شجاعته ودفاعه عن حقوق شعبه لمضايقات، ومسائلات، ومكائد، ومطاردات يطول حصرها ولا يستطيع الصمود أمامها إلا ذوي العزائم الراسخة والهمم العالية. ولقد تعرض لمحاولة اغتيال نجا منها؛ ورغم كل هذا، فإنه ظل عزيزا عفيفا صامدا لا تلين له قناة حتى آخر أيامه. ورغم حاجة الناس إلى علمه وتعطشهم لخطبه، فأنه منع من الوعظ لسنوات، وقد كتب سماحة المفتي الخطاب التالي دفاعا عنه:

حضرة صاحب السعادة وزير الداخلية

الموضوع : مخالفة دستورية بمنع عالم عن الوعظ في المسجد وغيره بمديرية أكلى غوزاي

  1. الحاج علي عمر عثمان، قاضي عدي قيح وصنعفى سابقا، قد رفع إلي عرضا يشتكي فيه من المحافظ السابق بعدي قيح “أتو سيوم كحساي”، لكونه أصدر أمرا بمنعه من الوعظ وعلمت أنه رفع إليكم عرضا مماثلا له.
  2. استجابة لشكواه قد طلبت من محافظ عدي قيح نسخة من الأمر الصادر بالمنع وفعلا قد وصلتني النسخة وهي مؤرخة ب 21 فبراير 1958م وهي تنص على التالي:

“قد أمرت أن أعلمكم بأنكم من اليوم فصاعدا في داخل مديرية أكلى غوزاي ممنوع أن تعملوا الوعظ أو الحديث دينيا أو سياسيا في المسجد أو في المجموعة وأشعركم بأن الحكومة ستتخذ الإجراءات القانونية ضدكم في حالة انتهاككم الأمرالذي أعطي لكم.”

وصورة هذا الأمر قد أرسل من حينه إلى مدير الداخلية بأسمرا وإلى مدير البوليس بأكلى غوزاي.

  1. إن أمر المحافظ المذكور يعتبر في نظري هتكا صارخا لنصوص الدستور، حيث أنه ليس من سلطته أن يمنع عالما مسلما من الوعظ في المسجد أو غيره.
  2. إن العمل المذكور سيكون بدون شك في المستقبل حجة لتكرار العمل به في أمثاله، لذا أرفع إليكم ما يأتي:

أ. استنكاري و احتجاجي على العمل المذكور، فإنه علاوة على كونه هتكا للدستور فإنه تدخل في واجبات المفتي بدون مبرر.

ب. اتخاذ الإجراءات اللازمة لإلغاء الأمر المذكور، لكونه مخالف لمادة 19، 26، 30 وغيرها من الدستور الأرتري، وإن العالم المذكور بسببه معطل من واجباته الدينية قرابة خمس سنوات بدون أي مبرر.

حرر يوم الإثنين 17 من ذي الحجة 1381هجرية الموافق 21 مايو 1962م.

صفاته:

يصفه المفتي، وكانت بينهما مودة وصداقة حميمة:

“كان رحمه الله محبوبا عند الناس محبة شديدة، حتى أن أهالي كرن حاولوا محاولات كثيرة لمنع نقله عنهم ]حين كان قاضيا عليهم[.”وكان “عالما، تقيا، ورعا، زاهدا، وشجاعا باسلا، وعادلا لا يحابي ولا يهاب أحدا سوى الله …. وبطلا لا يبالي، وصريحا مدافعا عن الحقوق بلا خوف ولا وجل … وكلمته كانت تنزل على قلوب المخالفين للرابطة نزول الصاعقة …كما أن كلامه لأنصار الرابطة ينزل عليهم نزول الماء الزلال..” وكان الناس “يحترمونه أشد الاحترام وينتظرون كلمته بفارغ الصبر.”

توفي إلى رحمة الله في يوم 13 محرم 1389هجرية، الموافق 31 مارس 1969م، ودفن في مقبرة حزحز بأسمرة.

 

1 عدد الردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *