الابتعاد عن تكفير المسلم
(فتوى رقم 20)
السؤال: رجل كان بينه وبين إبنه نزاع فقال له في أثناء النزاع أخرج من بيتي فلم يخرج الولد فأعاد عليه فأبى ثم قال له عليك شرع الله تخرج من بيتي إن كنت مسلما، فقال الولد لست مسلما بل كافر، فهل يكفر هذا الشخص بهذه الكلمة وتطلق زوجته أم لا؟
الجواب: الكلام على هذه المسألة من وجهين:
أولا: القاعدة في باب التكفير عدم الاستعجال لإخراج أي مسلم عن ربقة الإسلام إلا أن يصدر منه ما لا يحتمل التأويل بوجه من الوجوه. قال عضد الدين الأيجي في كتابه المواقف: ولا يكفر أحد من أهل القبلة إلا بما فيه نفي الصانع القدير العليم أو إشراك أو إنكار بالنبوة أو ما علم مجيئه بالضرورة أوالمجمع عليه كاستحلال المحرمات وأما ما عداه فالقائل به مبتدع لا كافر.
وقال صاحب الذخيرة: إذا كان في المسألة وجوه توجب التكفير ووجه يمنع التكفير فعلى المفتي أن يميل إلى الذي يمنع التكفير تحسينا بالظن للمسلم إن كان نية القائل الوجه الذي يمنع التكفير فهو مسلم وإن كان نيته الوجه الذي يوجب التكفير لاتنفعه فتوى المفتي.
قال ابن عابدين في رد المحتار: لو وجدت سبعون رواية متفقة على تكفير المؤمن ورواية ولو ضعيفة بعدمه يأخذ القاضي والمفتي بها دون غيرها. وقال أيضا في عقود رسم المفتي نظما:
وكل قول جاء ينفي الكفرا * عن مسلم ولو ضعيفا أحرى
ونقل أبو سعيد الخادمي في شرح الطريقة المحمدية عن أبي حنيفة: لايكون الكفر كفرا حتى يعتقد عليه القلب.
وقد كثرت أسباب التكفير في كتب متأخري الحنفية ولذا عابهم بعض العلماء. قال الشيخ صالح بن المهدي اليمني في كتابه العلم الشامخ: ولم أرى التكفير أسهل على أحد ولا أكثر منه عند متأخري الحنفية لأنهم يكفرون بكل لازم ولو في غاية الغموض. قال الشيخ حسن عطار في حاشيته على شرح جمع الجوامع: وأما الحنفية فقد توسعوا في التكفير حتى ألفوا رسائلا ذكروا أشياء لاتكفر. وقال الشيخ محمد الكردي في شرحه على الطريقة المحمدية: ولاتغتر بما ذكر في كتب الفتاوى من ألفاظ الكفر فإن أكثرها محمول على التهديد والتهويل وكفران النعمة، فإن المؤمن لايخرج من الإيمان إلا بجحود مادخل فيه على مارواه الطحاوي.
وقد صار التكفير عند أهل بلدنا أسهل من تقشير البصل وقرقرة اللب فيتجرأون على تكفير المسلم والتطليق به لأتفه الأسباب ويعملون له شبكات يصطادون به إلى كلمة الكفر لشفاء غيظهم من أحقادهم الدنيوية من مخالفيهم، فهؤلاء يقعون في التكفير بأنفسهم من غير شعور لرضائهم بكفر اخيهم المسلم ومن حفر حفرة لأخيه وقع فيها. ونقل أبو سعيد الخادمي في شرح الطريقة المحمدية عن أن الرضا بكفر الغير كفر من غير تفصيل. ويدل عليه حديث الصحيحين: الأول، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كانت كما قال وإلا رجعت عليه. الثاني، عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من دعا رجلا بكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه. وقال أبو حنيفة في الفقه الأكبر: لانكفر مسلما بذنب من الذنوب وإن كان كبيرة إن لم يستحلها لأن الإسراع إلى تكفير المسلم من صفات أهل البدع. ولذا قال القاضي: من عيوب أهل البدعة أنهم يكفر بعضهم بعضا ومن ممادح أهل السنة أنهم يخطئون ولايكفرون.
ثانيا: كلمة الكفر لها إستعمالات منها: تارة تستعمل ضد الإيمان وتارة تستعمل في الجحود والامتناع. فإذا تقرر ما تقدم فالذي يظهر من قرينة الكلام المذكور أنه قال ما قال لشدة غضبه مع والده فيحتمل أن يكون معنى كلامه لست مسلما ومجيبا الى طلبك مني الخروج من الدار، ومتى كان الأمر محتملا للوجهين مع رجحان عدم قصد الخروج بها عن الملة الإسلامية بقرينة الغضب لزم الاستفسار عن قصده، فإن قال قصدت الخروج عن الملة الإسلامية يؤمر بالرجوع من ذلك والتوبة إلى الله تعالى وتجديد نكاحه بينه وبين زوجته، وإن قال ما قصدت بذلك الخروج عن الملة الإسلامية بل صدر مني ذلك لشدة الغضب مع والدي فهو مسلم فليستغفر الله تعالى عن عصيان والده ويطلب منه العفو والسماح.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!