افتتاح جمعية الشبان المسلمين الإرترية
تميز العصر البريطاني عن العصر الإيطالي الذي سبقه والعصور التي تلته بازدهار حرية التجمع والحركة، والعمل السياسي والاجتماعي. ولذلك ظهرت في عصره الأحزاب السياسية، وأنشئت المدارس، وأسست الجمعيات والنوادي والهيئات. ومن هذه النوادي التي ظهرت في العصر البريطاني هو: نادي جمعية الشبان المسلمين في أسمرة.
وقد افتتح النادي في الساعة الخامسة من مساء يوم الأربعاء 26 رجب 1365هـ الموافق 26 يونيو 1946م، في حفل حضره جمع كبير من الجماهير، والزعماء، ورجال الحكومة. وقد قام سماحة المفتي بقص الشريط إيذانا بافتتاح النادي، ثم ارتجل كلمة ذكر فيها أن الأندية:
“بجملتها بوادر خير وسعادة للمجتمع؛ ومن أجلها أندية الثقافة والتعاون لأن فيها غذاء شطري الإنسان الجسم والروح، وكل منهما يحتاج إلى الغذاء، فغذاء الأول يحصل بالأكل والشرب … وأما غذاء الثاني فيحصل بالعلم؛ وله وسائل عديدة ومن أهمها أندية الثقافة – كالنادي الذي أهل علينا في هذه الليلة – فإن فيه تمرين للنشأ، وتفريج للذهن، وإزالة للكلفة، ونمو للعقل، وعون للفقراء والمرضى؛ متى حسن التوجه، وصفت العزيمة، واتحدت القلوب. وكل عمل يظن فيه خيرا ويحقق ثمرة عمومية، يجب أن تشد قوائمه وأركانه حتى يصل إلى الذروة التي ينبغي أن يكون عليها…”
وقد ألقى الشيخ جمال الدين إبراهيم خليل – قاضي طيعو- قصيدة ترحيب بالجمعية وبالنادي.
أعمال الجمعية وأهدافها:
أهداف الجمعية الأساسية يمكن اختصارها في ثلاث نقاط:
- تدريب الشباب، وتثقيفهم، وتقوية الصلة والتعاون بينهم.
- مساعدة المحتاجين منهم، وتيسير سبل الزواج لهم.
- إحياء المناسبات الإسلامية والاحتفاء بها.
ظلت الجمعية تؤدي دورا رائدا لأكثر من عشرة سنوات. وكان من أنشطتها الاحتفاء بالشخصيات المهمة – كأعضاء البعثات الأزهرية –، والأنشطة الرياضية والكشفية، وحفلات العيد والمناسبات الإسلامية، والمشاركة في شؤون المجتمع العامة. وأصبحت الجمعية على مر الأيام معلما مهما من معالم المجتمع المدني في أرتريا.
إغلاق الجمعية ومصادرة ممتلكاتها.
شاركت الجمعية في العمل السياسي، وانحازت للخيار الوطني الداعي لاستقلال أرتريا. ولذلك أصبحت موضع سخط السلطة -بعد نهاية العصر البريطاني-، وتحت رقابة جواسيسها. وقد وجدت السلطة مبررا لها في اتخاذ خطوة حاسمة للقضاء على الجمعية حين قامت الجمعية بالاحتفاء – كعادتها مع الشخصيات المهمة – بالزعيم الوطني محمد عمر قاضي، حيث أقامت له حفلا تكريميا كبيرا في يوم الأربعاء 25 جمادى الثانية 1377هـ الموافق 15 يناير 1958، إثر عودته من هيئة الأمم بعد تقديمه المذكرة الاحتجاجية ضد تجاوزات الحكومة الإثيوبية. وقد حضر هذا الحفل عدد من زعماء الرابطة، وألقيت فيه كلمات، منها كلمة الأستاذ محمد عمر قاضي، وكلمة رئيس الجمعية.
وإثر انتهاء الحفل قامت السلطة على الفور بالقبض على رئيس الجمعية وغيره من الشباب وزجت بهم في سجونها. يقول سماحة المفتي: “وعذب (رئيس الجمعية)، كما عذب عدد كبير من الشباب في غياهب السجون، ثم أجبروهم على إغلاق النادي، واستقالة لجنة النادي.”
وهكذا أسدل الستار على الجمعية، وخنق صوتها، وصودرت ممتلكاتها. وبذلك حرم الشباب متنفسا آمنا يوجه طاقاتهم للعمل البناء الهادف، وبالمقابل فتحت السلطة على مصراعيه أماكن السكر والدعارة والإنحلال.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!